مقالات

إنما الصبر (العملي والمنجز) عند الصدمة الأولى، ولا بد من سرعة الافاقة

مصطفى صقر*

ورد في علم النفس:إن أي أزمة (فردية او جماعية)،لها أبعاد وتأثيرات نفسية، تمرّ عادة في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: هي الصدمة وعدم التصديق، ومحاولة النكران ورفضها بكل الأشكال، وقد تتزايد إلى حد فقدان الوعي والتركيز وأبعد من ذلك أيضا، وتطالعنا كتب السيرة النبوية كيف تعامل الصحابة – رضي الله عنهم وأرضاهم – في اللحظات الأولى من خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل المثال،فبعضهم من لم يصدّق، وبعضهم من أشهر سيفه، ليقتل من يقول انه مات – عليه الصلاة والسلام -. أما المرحلة الثانية: فهي مرحلة الحزن على ما جرى، والبكاء على أطلال ما تم، واستذكار كل اللحظات الجميلة التي مضت، ولو عدنا لنفس المثال السابق، لوجدنا أن الصحابة، بعدما دخل عليهم الصديق رضي الله عنه ،وهو يقول: “من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن حيٌّ لا يموت”،ثم قرأ قوله تعالى:(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين)، عندها انفجر الصحابة والمدينة كلها بالبكاء، بل قالت الزهراء لمن يدفنه – عليه الصلاة والسلام – : (أطابت لكم أنفسكم ان تحثو على وجه رسول الله التراب).
أما المرحلة الثالثة :وهي مرحلة الرضا والتجاوز، وعندها تصبح الذكريات الأليمة، دافعة نحو العمل والإنجاز، ويستيقظ المأزوم من غفلته، ويبدأ باتّخاذ القرارات المناسبة،وهذا ما ظهر – حسب مثالنا النبوي – في سقيفة بني ساعدة، حينما اجتمع الأنصار، ثم لحق بهم المهاجرون، ثم جاء الشيخان – أبو بكر وعمر رضي الله عنهما – وتشاوروا لثلاثة ايام خلون من وفاته – عليه الصلاة والسلام – فيمن سيلي أمر المسلمين، واستقر الحال في بيعة الصديق رضي الله عنه.

أقول هذا الكلام،وما زالت أصداء الانتخابات النيابية في الأذان، ومنشورات عدد من كوادر الحركة الإسلامية،والتحالف الوطني للإصلاح ،يظهر عليها الصدمة ،وعدم التصديق، بأن هذا القانون القميء (الذي نعرفه من البداية)،لن يهيّئ لنا أكثر من فرد في كل قائمة، فبالتالي 14 قائمة = 14 نائبا في الحد الأعلى – إذا لم يتم تزوير-، وما حصلنا عليه هو 10 مقاعد، يعني (10/14) وهذا رقم جيد (على بساطته) ،كقوة مؤثرة ومزعجة لمنظومة الفساد، إلا إنه لن يسمح لنا بأن نكون قوة قادرة على التغيير،ونسي أن اسباب المشاركة عند الحركة الإسلامية كثيرة ومتعدّدة، حقّق بعضها، ولم يتحقّق الآخر، بل وظهر عدد من البكائيات واللطميات (حول صحة القرار من عدمه، وهل خضعت الحركة الإسلامية لإرادة النظام ،بأن تكون ديكورا في المجلس ام لا) ، ناهيك عن الشامتين والحاقدين،الذين يزيدون إوار الحزن والضيق في النفوس، بل وحتى الناصحين – وهم لا يقصدون الإساءة، فهم معروفون بصدقهم – مارسوا ضغطا آخر ،من خلال تعليقهم على المشهد، وظهور مشاهد التشفّي من نتائج التحالف الوطني للإصلاح للعيان.
كل هذا متوقع سيسيولوجيا،وله شواهد وتأثيرات، ولكن الخطورة، تكمن في طول مدة المرحلتين (الصدمة والحزن)، فكلّما طالت هذه المدة، أثّرت عكسيا على العقلية الجمعية للإصلاحيين، ودفعتهم لارتكاب أخطاء (سياسية او تنظيمية او تربوية) ،لا يحمد عقباها، وما حصل إبان انكسار الربيع العربي من انشقاقات في صفوف الإصلاحيين، وظهور نمط من الشباب الكافر بالعملية السياسية،والمنطوي على ذاته، بل وظهور بعض الأفكار الالحادية من عدم نصرة الله لنا – حاشاه جل جلاله -، هي شاهد آخر على خطورة تطويل عدم الإفاقة.
لذا، ومن منطلق طلب رضا الله تعالى أوّلا، والحرص على الدعوة ثانيا، وحب للوطن ثالثا، أضع بين يدي الأحبة عددا من الأفكار التي تساعد على سرعة الإفاقة:

1) أدعو قيادةالحركةالإسلامية ،والتحالف الوطني للإصلاح ،وكل الأحرار والشرفاء في بلدي للإسراع في إطلاق مبادرة سياسية جامعة، تدعو الجميع لشعارها ومنطلقها في حماية الوطن،ضمن حوار وطني جامع، حول المخاطر التي حذّرت منها في برنامجها الانتخابي (استهداف الهوية الإسلامية للمجتمع، توسّع منظومة الفساد وتغلغلها في مختلف القطاعات الحيوية، وتأثيرها على القرار السياسي،وتبعاته الاقتصادية، وتأثيراتها الاجتماعية، إشكالية التعليم والمناهج، صفقة القرن وتبعاتها على القضية الفلسطينية،وولايتنا الهاشمية على القدس، أزمة كورونا وتأثيراتها على البلد، إشكالات العمل النقابي والمجتمعي)،والضغط على أصحاب القرار، لتبنيّ مشروع حكومة إنقاذ وطني، تعفينا من حكومات التخبّط في كورونا، وتكون قادرة على تجاوز الأزمة ،والنهوض في الوطن، وإعادة الثقة واللحمة بين الشعب وقيادته.
(2) أدعو علماء الحركة الإسلامية ودعاتها ومثقفيها وإعلامييها ،إلى تبنيّ خطاب إسلامي وطني جامع، يغلّب روح التحدي،والإصرار على تحقيق الإصلاح المنشود،وعدم التراخي في مكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله، في صورة إيمانية وشرعية متكاملة.
(3) أدعو الجهاز التربوي في الحركة الإسلامية ،وفي عموم الوطن ،إلى تبنيّ منهجية تربوية فعّالة، تستفيد مما جرى من أخطاء ومثالب،ظهرت أثناء الممارسة السياسية ،وعكسه في برنامج تربوي متكامل،يجمع بين الإيمان والعلم، ويحقّق تصالحا بين مكوّنات المجتمع، ويدفع نحو تبنيّ المبدعين وتطويرهم، والتأكيد على أن المستقبل يكمن في الشباب، فيحتاجون منا ،الصبر والمساندة والتحفيز.
(4) أدعو أبناء الحركةالإسلامية، وكوادر التحالف الوطني للإصلاح، وكل الشباب الأردني الذي يتقاطع معنا في إرادة الإصلاح،أن يلتف حول مؤسسة الحركة وأفكارها، لا شخوصها فقط، وأن يعملوا على تطوير ثقافتهم وتوسيعها، وأن يقدّموا مبادراتهم لقياداتهم الفكرية والمجتمعية – داخليا وخارجيا -،وعدم الجلوس على مقاعد المتفرّجين فقط، وعدم الخضوع للآلة الإعلامية المجرّفة لتاريخنا، وأفكارنا ومعتقداتنا وأخلاقنا.
(4) أدعو المرأة الأردنية بكل أطيافها، وأخصّ أخواتي وبناتي من الحركةالإسلامية ،بأن تمارس دورها الحقيقي ،في الحفاظ على القيم الإسلامية الجامعة، فهي الأقدر على ضبط بوصلتنا الأخلاقية.
(5) أدعو ناقدي الحركةالإسلامية ،إلى توجيه وتيرة النقد نحو الخلل لا الأشخاص، والابتعاد عن اللغة الفوقية ،ومصطلحات التنظير، وأدعوهم إلى المساهمة في عملية ترشيد الحركةومشاريعها ،وعقلنتها بعيدا عن لغة التشفّي.

*إعلامي أردني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق