تقارير و تحليلاتعام

هل تذهب تنظيمات المقاومة الفلسطينية إلى “ غيابات الجِب” ؟!

بقلم : د. وليد عبد الحي*

في الوقت الذي يعيش فيه الكيان الإسرائيلي أزمة بنيوية، بفعل تعدد الثقافات الفرعية ،وغلبة بعضها على بعض،وبفعل عدم التوازن بين قوى اتخاذ القرار، وبفعل انعكاس عمليات المقاومة على البنية السيكولوجية للمجتمع ،طبقا لبيانات الصحة الاسرائيلية الرسمية، وبفعل القلق من بعض التحوّلات الدولية وتداعياتها على “إسرائيل” ، تنخرط التنظيمات الفلسطينية في مماحكات سياسية حول ما يسمّى ” الوحدة الوطنية”، وفي هذا السياق تتم الدعوات لعقد مؤتمرات لتحقيق هذا الهدف النبيل في بيئة من “الشُبهات” ، وهنا لا بد من تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: مكان عقد اللقاءات:
كل لقاءات المقاومة الخاصة بالوحدة الوطنية الفلسطينية تم عقدها، منذ اغتيال ياسر عرفات خارج فلسطين ، فإذا كانت الضفة الغربية مكان غير آمن لعقد اللقاءات فيها بسبب الاحتلال والتنسيق الامني ، فلماذا لا يتم عقد اللقاءات في قطاع غزة ؟ فقيادات تنظيمات المقاومة المركزية موجودة في القطاع ، وليس هناك ما يمنع اي قيادي من سلطة التنسيق الأمني من الذهاب إلى غزة ، فلماذا لا يتم عقد الاجتماعات هناك بكل ما في ذلك من رمزية من ناحية ، وابتعاد من ناحية أخرى عن الضغط العربي الذي يعمل على توظيف هذه الاجتماعات للضغط على الاطراف الفلسطينية، ليشتري بها ثمنا بخسا من عواصم الدوائر الدولية الكبرى؟
لم يزر رئيس سلطة التنسيق الامني قطاع غزة منذ 16 سنة، على الرغم من أنه إقليم يُفترض أنه تابع “لسيادته” ومحرّر ، ولعلّ المبرّر الذي يسوّقه مناصروه هو المبرّر الأمني، وهنا نسأل: من يهدّد رئيس سلطة التنسيق الأمني؟ فهو في رام الله بين أحضان الاحتلال، مما يعني أن التهديد ضمنا هو “افتراض أنه من المقاومة”، فإذا كان غير مستعد للقاء بالتنظيمات خوفا منها ولا يثق فيها ،فهل هذا أساس صلب لعقد اتفاقات أكثر اهميه وخطورة من أمنه الشخصي؟ إنه لن يذهب إلى غزة إلاّ إذا رضخت غزة لشروطه، وهي أوّلا وأساسا، وقف المقاومة وتعميم التنسيق الأمني في غزة والسيطرة على حدود قطاع غزة ، والسيطرة على الموارد المالية لكي يخنق المقاومة عطشا وجوعا.
ثانيا: موضوعات اللقاء:
إن طرف التنسيق الامني يريد الآتي:
أ‌- الاعتراف ب “إسرائيل” وبكل الاتفاقيات التي تتضمّن ذلك من أوسلو وغيرها..وهو أمر مرفوض تماما من قوى المقاومة ،طبقا لبياناتهم المعلنة ليلا ونهارا.
ب‌- رفض المقاومة المسلّحة أيا كان مستواها ، واعتبار المقاومة عملا ارهابيا وغير شرعي، وهو أمر غير مقبول تماما من المقاومة.
ت‌- رفض أية انتخابات رئاسية أو تشريعية لاعتقاده الجازم انه سيفشل فيها ، وما التذرّع بموضوع القدس إلا هربا من هذا الاستحقاق،بينما المقاومة تريد انتخابات رئاسية وتشريعية، لأن كل استطلاعات الرأي ترجّح فوزها .
ث‌- يرفض وبإصرار العودة لميثاق منظمة التحرير الأصلي، كما يرفض أي إحياء لدور مؤسسات منظمة التحرير التي فكّكها ضمن مخطط تم وضعه ، منذ تم اختياره لرئاسة السلطة في الاجتماع الذي شرحت كونداليزا رايس كل تفاصيله في كتابها ،قبل اغتيال عرفات الذى وعدنا رئيس السلطة بعد الاغتيال بأيام ، أنه سيكشف من قام بالاغتيال وما زلنا ننتظر، ولا نرى أي نقطة في كل ما سبق فيهااتفاق بينه وبين المقاومة.
ثالثا: في الوقت الذي يجري فيه الترويج لعقد لقاء الوحدة الوطنية ، تتسع دائرة الاعتقالات للمقاومين أو لكل من تحوم حوله شكوك بأنه مقاوم في الضفة الغربية بخاصة في الايام القليلة الماضية ، وعلى الرغم من إعلانه للمرة 66 عن وقف التنسيق الأمني ،فإن كل وسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكز دراساتهم وكثير من وسائل الإعلام الغربية، يؤكّدون أن مستوى التنسيق الأمني يتزايد بين الاحتلال والسلطة.
لذلك ، على المقاومة أن تعقد اجتماعا في غزة، تحضره كافة التنظيمات الفلسطينية وهيئات المجتمع المدني الفلسطيني التي تستطيع الحضور للمؤتمر، لإعلان الطلاق البائن بينونة كبرى مع هذه السلطة، ولانتخاب قيادة جديدة، ووضع برنامج عمل بعيدا عن سلطة اوسلو ، وعندها ليتفق هؤلاء القادة على ما يمكن الاتفاق عليه طبقا لأدبياتهم ، ولا بد من البحث عن قيادات من فتح ممن لا زالوا على العهد الذي اعلنته” الطلقة الاولى” عام 1965 ليشاركوا في المؤتمر ، وأي اجتماع للقيادات الفلسطينية في هذا الجانب وتحديدا خارج غزة هو اجتماع “ألف مشبوه”، وإذا تم فان تنظيمات المقاومة ستكون دخلت لا في مرعى المشتبهات بل في “غيابة الجُب”.

* باحث وأكاديمي أردني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق