مقالات

موقف الأوساط العربيّة غير المتوازن من الشأن التركي

د.سعيد وليد الحاج*
منذ دخولي مجال الكتابة، والبحث في الشأن التركي قبل سنوات، تحيّرني ظاهرة منتشرة في أوساطنا نحن العرب، وهي المبالغة في تقييم وتقدير “أثر” ما يُكتب ويُقال في أطرنا على الواقع التركي.
ينطبق ذلك على وسائل إعلام تتبع دول، كما ينطبق على المقالات والأوراق البحثية، ويشمل كذلك ما يكتب من قبل أفراد في وسائل التواصل الاجتماعي، سواءً بسواء.
كثيراً ما راجعني أحد الأصدقاء الكرام ،حين شعر بأن منشوراً أو مقالاً لي يحتوي على لغة نقدية (أو هو فهم ذلك)،أو الإشارة لبعض المشكلات هنا وهناك.وسبب مراجعتهم لم يكن يتعلّق بمدى صحة ما كتبته، ولكن “حتى لا يضر ذلك تركيا”!
في المقابل،ثمة من يكتب تقييمات مبالغاً بها، أو توقعات غير دقيقة، وحين يُراجَع في ذلك يقول إنه كتب ذلك “دعماً” لتركيا أو العدالة والتنمية أو أردوغان.
بشكل مشابه،هناك وسائل إعلام كثيرة، بعضها كبير ويتبع دولاً، تنتهج سياسات تحريرية واضحة ومحددة بخصوص تركيا، إما بإظهار الإيجابيات والأخبار الجيدة حصراً أو السلبيات والأخبار السيئة حصراً، حسب موقف بلادها من تركيا/العدالة والتنمية/أردوغان. ويظن هؤلاء، او بعض متابعيهم، أن ذلك أمر مؤثّر في السياسة التركية، أو على القيادة التركية.
أفهمُ أن يُعبَّرَ بما يكتب،ويقال عن موقف داعم أو رافض لتركيا أو حزبها الحاكم أو رئيسها، أما أن يُظن أن ما يقال ويكتب في الأوساط العربية “مؤثّر” بأي شكل من الأشكال في السياسة التركية، داخلياً أو خارجياً، فهذا افتراض غريب،ولا أدري الحقيقة من أين ظهر ؟…فما يُكتب ويقال باللغة العربية موجّه للمتلقُي العربي، بينما الشعب التركي في أغلبيته الساحقة، لا يعرف العربية ،ولا يتابع وسائل الإعلام هذه.كما أنه من المضحك ،افتراض أن القيادة التركية تتابع ذلك ،فضلاً عن أن تتأثّر به،فكيف يمكن أن يكون للأمر تأثير؟؟
بالتأكيد ،أن مؤسّسات تركية رسميّة تتابع ما يقال، ويكتب في الأوساط البحثية والإعلامية العربية،لكن ليس لتأثيرها على تركيا،ولكن من باب المتابعة وتقييم “المواقف”،وربّما – أقول ربما – الاستفادة،لكن ليس أكثر من ذلك.
وأزيد من الشعر بيتاً،أن الأمر لا ينطبق فقط على المتحدّثين والكتاب العرب بل يشمل أيضاً الأتراك المتحدّثين باللغة العربية، الذين هم – باستثناءات بسيطة – غير معروفين في تركيا،لا للشعب ولا للمؤسّسات.لكن ثمة تقييم مبالغ به لهم،فيعتقد الكثيرون أن كل من رفع صوته في قناة إعلامية عربية ،هو من قيادات العدالة والتنمية، أو ربّما رفيق درب أردوغان. بعضهم يدّعي ذلك أو قريباً منه ،بلغة وصِيَغٍ مختلفة، لكن ما يحصل عادة أن بعض المتلقّين العرب يضعونهم في تقييم مبالغ به طواعية، لدرجة أن بعض المتابعين على فيسبوك وتويتر، كان يظن أحد المعلّقين الأتراك في الإعلام العربي قبل سنوات، هو أحدَ القيادات الكبيرة في الحزب الحاكم، ليؤكّد أحدهم أنه “لا خوف على تركيا طالما فيها أردوغان وداودأوغلو و”فلان”..!!
يمكن للدول المناوئة لتركيا أن تؤثّر عليها،لأنها تملك أدوات الدول، إن كان بمناكفتها سياسياً أو اقتصادياً او أمنياً، أو بتمويل وسائل إعلام ناطقة باللغة التركية وتوجيه سياستها التحريرية باتّجاه محدّد، والعكس صحيح. أما ما دون ذلك من وسائل إعلام عربية، ومقالات وأوراق بحثية عربية، وما يُكتب بالعربية على وسائل التواصل الاجتماعي، فليس له أدنى “تأثير” على تركيا، لا داخلياً ولا خارجياً، ومن الغريب أنني بحاجة لأن أكتب منشوراً أصلاً بهذا المعنى.
في الخلاصة، ما يُكتب ويقال باللغة العربية يعبّر في أقصى حده عن موقف، دعماً أو تهجّما، حباً او كرهاً،
اما على صعيد التأثير، فينطبق عليه المثل الفلسطيني الغزّي: “على بال مين يا اللي بترقص في العتمة”،اللهم إلاّ من ابتغى بما يكتبه ويقوله “الوصال” مع بعض المؤسسات، في تركيا، أو الدول المناكفة لها !

*كاتب فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق