مقالات

الخصائص التي جعلت القرضاوي في مكانته المتقدّمة على غيره من العلماء

بقلم : الشيخ محمد بن محمد الأسطل

إذا أردت أن تعرف قَدْرَ الشيخ القرضاوي رحمه الله، فتمثَّل في نفسك عالمًا كبيرًا ،واعقد مقارنةً بينه وبين القرضاوي لتعرف أي الرجال كان هو .
وهذه رزمةٌ من سيرته ومناقبه تعينك على المقارنة، مما حضرني الساعةَ ولم أستقصِ:
أولًا: الإنتاج العلمي الغزير؛ فقد ألَّف الشيخُ القرضاويُّ نحوًا من 200 كتاب.
ثانيًا: عدم انحصاره في تخصصٍ معين؛ فهو رجلٌ أوتي سعة الاطلاع، وله مؤلفاتٌ في فنونٍ وجوانب عدة منها: العقيدة والفقه والتفسير والسُّنَّة والأخلاق والفكر وفقه الأسرة والمجتمع وفقه الدعوة والتاريخ والشعر والأدب، كما أنَّ له عنايةً بفقه النوازل على شتى الأصعدة، وهذه تستهلك عمرًا وحدها.
ثالثًا: الانطلاق من وحدةٍ فكريةٍ متكاملة من عناوينها: التيسير والوسطية وتعظيم التراث والإصلاح ومعالجة الواقع والبعد في الفتوى عن التشدّد والتسيب.
رابعًا: حضوره الفاعل في قضايا الأمة الإسلامية،لا سيّما القضية الفلسطينية، فهو مهمومٌ بالهموم الكبرى، فلم يحصر نفسه في مشاكل بلدٍ بعينه كبلده، أو مشاكل جماعةٍ بعينها؛ بل اهتم بالقضايا العالمية وسافر إلى القارات الست واعتنى بأمورها حتى لكأنه المتكلم باسم أمة الإسلام، وغالب الناس يعتنون بالواقع ولكن الواقع المحيط بهم فقط.
وما رأيته شخصيًّا إلا مرة؛ وهي التي زار فيها غزة سنة 2013 في اللقاء الذي عُقِد بقاعة المؤتمرات بالجامعة الإسلامية، وتحدث فيه أنه زار غزة من قبل سنة 1957!.
خامسًا: الاشتغال بالتدريس والإفتاء والخطابة والمحاضرات وتربية التلاميذ، حتى صار عددٌ كبيرٌ منهم علماء يُشار إليهم اليوم بالبنان.
سادسًا: تأسيسه لعددٍ من المؤسسات العلمية والدعوية مثل: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والهيئة العالمية لخدمة الإسلام من خلال الانترنت وغير ذلك.
سابعًا: حضوره في المؤسسات العلمية؛ فهو عضو في نحو عشرة من المجامع الفقهية والهيئات الشرعية ونحوها، وهذا جهدٌ ضخم لكثرة ما يستتبعه من وقت ومتابعة بحثية لا تخفى على مختص.
ثامنًا: مناوأته للطغيان في كلِّ صوره، حتى إنَّ روحه فاضت بعيدًا عن وطنه، وقد اتهم بالإرهاب وحُكِمَ عليه بالإعدام والمؤبدات وجرَّب السجن من قبل ذلك.
تاسعًا: الموهبة العظيمة التي آتاه الله إياها في الشعر، واتصف شعره بالثورية والحكمة، حتى صارت بعض مقاطع شعره تحفةً يتناقلها الناس في حياته وما كنت أحسب أنها له.
عاشرًا: أنه صار شيخ عامة؛ فلم يتقوقع داخل جماعة الإخوان التي انطلق منها، ولم يتعصب لحزبٍ، بل اجتهد أن يكون لمجموع المسلمين الموافق منهم والمخالف.
حادي عشر: محاربته على كل الجبهات؛ فقد حارب الصهاينة والصليبيين والشيوعيين وحارب الغلو والتمييع والتكفير والفكر العلماني وكثيرًا من الأفكار الهدامة والضالة، فكان يدافع عن الإسلام من كل ما يشوبه.
ثاني عشر: جانب الرحمة فيه، فالذي يشتغل بما سبق ليس عنده أيُّ وقتٍ للدفاع عن نفسه، فراح يسامح الجميع ويعفو عن الجميع، ولم يتوقّف عند حقوقه الشخصية، وكان يُصَرِّح بذلك.
ثالث عشر: رجوعه إلى الحق متى ظهر له، فكان يسير في مساراتٍ،فإذا تبيّن له خطؤها، رجع عنها وصرَّح بذلك، وأخذ يثني على مخالفيه إذ تيّقظوا لما كان غائبًا عنه، ولم يبال بمن يتخذ ذلك مطيّة للشماتة فيه إلى درجة الردح والتحذير الدائم منه.
وبعد الذي قرأت مما حضرني الساعة.. فإنَّ كثيرًا من العلماء يحصرون أنفسهم في شرحٍ لمتون أو في تأليفٍ أو في دعوة أو في إفتاء أو في نحو ذلك، وكلٌّ وما فُتِح له، ولكن الشيخ القرضاوي قد جمع بين أمورٍ في العادة لا تجتمع في رجلٍ واحد، وإن فاقه غيره في عددٍ من الجوانب كما لا يخفى.
ولهذا ليس غريبًا أن تكثر المؤلفات التي تتناول شخصه ومنهجه وتراثه أو حتى التي تعاديه، ومع ذلك كله؛ فإنَّ الكمال لله وحده، فلا يخلو عالمٌ من زلل.
أسأل الله تعالى أن يرحم عبده يوسف القرضاوي، وأن يتقبله في الصالحين، وأن يجعله من سادات أهل الحق والعلم يوم الدين.
اللهم اغفر له وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونوِّر له فيه.
والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد.

  • باحث وداعية فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق