مقالات

السعودية وحماس، وما لا تراه عين الاستئصال

لمى خاطر*

قبل نحو عامين،بدأت السلطات السعودية بشنّ حملة اعتقالات ضد المحسوبين على حركة حماس فوق أراضيها، وكانت البداية مع الدكتور محمد الخضري (81 عاما)،ونجله الدكتور هاني، ثم توسّعت الحملة على مدار الأشهر اللاحقة، لتطال أكثر من ستين فلسطينيًا وأردنيا تم اعتقالهم،وتوجيه تلك التهمة الضبابية لهم: (دعم كيان إرهابي)، والمقصود به حركة حماس، وجمع تبرّعات لها، وهي تهم تكاد تتطابق مع تلك التي تدرجها النيابة الإسرائيلية في لوائح اتهام المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
آثرت حركة حماس وقتها أن تمتنع عن الإعلان عن اعتقال الدكتور الخضري، أو التعقيب على الأمر ،مدة أربعة أشهر، لتتيح المجال أمام الوساطات المختلفة للإفراج عنهم، لكنها لاحقًا أعلنت عن الاعتقالات، وأصدرت عدة مناشدات وتصريحات بشأنها دون جدوى، ودون أن تشكّل بيانات منظّمات حقوق الإنسان فارقًا لدى السلطة السعودية، لاسيّما وأن الدكتور محمد الخضري مريض بالسرطان، واعتقل عقب إجرائه عملية جراحية، وها هو يوشك على دخول عامه الثالث في السجون السعودية.
الدكتور الخضري، لم يكن شخصية سريّة ولا يقيم في المملكة حديثا، بل هو طبيب فلسطيني معروف، يقيم في مدينة جدة منذ ثلاثين عاما، وشغل موقع ممثّل حركة حماس في السعودية، وهذا الموقع كان بعلم السلطة السعودية بطبيعة الحال، ومثله نشاطه في جمع التبرعات لفلسطين،الذي لم يكن نشاطًا سريّا أيضا، وثمة تساؤل تلقائي يطرح نفسه هنا، حول مدى (أخلاقية) اعتقال شخص يقيم على أراضي دولة ما ،وهي التي منحته مسبقًا إذن الإقامة والنشاط ومسمّى الموقع الذي يشغله، بل وساهم علنا في إدارة علاقات هذه الدولة مع الحركة التي يمثّلها !
لكنّ هذه الاعتقالات، كغيرها من السياسات السعودية، تبدو مجرّدة من الحسابات الأخلاقية، ومنذ أن أقنعت المملكة السعودية نفسها، أو ثمة من أقنعها، بأن مشروع الإخوان المسلمين، يشكّل خطرًا وجوديًا عليها ،وهي تنتهج سياسات متلاحقة وصادمة في هذا الإطار، أقل ما يمكن أن توصف به، بأنها كمن يطلق النار على قدميه ،أو يسجّل أهدافًا في مرماه.

ليس الأمر متعلُقا بجملة المصالح الإستراتيجية للمملكة، التي قد يحتج بها كثيرون، وخصوصًا علاقتها الوثيقة بأمريكا وما تمليه العلاقة من سياسات، ذلك أن بعض الدول التي لها مثل هذه العلاقة (مثل تركيا وقطر)،لم تنتهج السياسات السعودية نفسها، تجاه الحركات الحيّة والفاعلة داخل الأمة، وخصوصًا الإسلامية،ولا تبدو هذه السياسة الاستئصالية مدفوعة فقط بالرغبة في تقديم قرابين حسن النية لكيان الاحتلال،طمعًا في حمايته خلال أية مواجهة قادمة مع إيران، إنّما واضح أن السلطة السعودية مقتنعة بأن الإخوان (فكرةً ومدرسة) ،خطر على مشروع الحكم الملكي في السعودية، لذلك ما تزال سياسات المملكة متصاعدة تجاه الإخوان، وهو أمر نراه في الإجراءات القمعية على الأرض، كما في تعبيرات الإعلام،والدراما الخليجية المموّلة سعوديًا وإماراتيا. ورغم أن نظام الحكم السعودي ،لم يكن ضمن مجالات التغيير لدى الإخوان، ولم يسجّل التاريخ محاولة إخلال واحدة بهذا النظام من أي من كوادر الإخوان على اختلاف جنسياتهم الذين أقاموا في المملكة منذ عقود، إلا أن موجة الربيع العربي قبل عشر سنوات، دفعت المملكة المسكونة بهواجس الخشية على نظام ملكها، إلى اتّخاذ إجراءات انقلابية صادمة واستئصالية ضد التيار الذي لم ينازعها الملك يوما، بل جعلته مسؤولًا عن التطرّف لدى حركات السلفية الجهادية التي تعادي السلطة السعودية، رغم أن فكر هذه الحركات لا ينحدر من مدرسة الإخوان، بل من الفكر الوهّابي، وهو سعودي المنشأ والرعاية.
انسحب عداء السلطة السعودية للإخوان على حركة حماس الفلسطينية، ليس فقط بسبب جذورها الإخوانية، بل كذلك لريادتها مشروع المقاومة في فلسطين، الذي تراه المملكة مصادمًا لرؤاها ومبادراتها نحو التسوية والتطبيع مع كيان الاحتلال، وقد بالغت المملكة حين دفعت بهذا العداء نحو مراحل متطرّفة، تمثّلت باعتقال ومحاكمة المحسوبين على حماس ،وتوجيه اتهامات لهم تصنّف حركتهم بأنها إرهابية.
وهنا كان طبيعيًّا أن تستغل جماعة الحوثي الأمر، لتضيف نقطة إلى رصيدها تسوِّغ لها مهاجمة السعودية وتصنيفها عدوا للقضية الفلسطينية، وقد تجلّى هذا الاستغلال في مبادرة الحوثي بالاستعداد للإفراج عن بعض الطيارين السعوديين المحتجزين لديه، مقابل إطلاق السعودية سراح المعتقلين الفلسطينيين لديها.
عمليا، فإن السياسات السعودية ضد حماس والقضية الفلسطينية ،هي رصيد مجّاني لإيران، يعزّز دعايتها ضد السعودية ويبرّر استمرار استهدافها، وفيما تبدو المملكة متحمّسة لمواجهة إيران والحد من نفوذها وتمدّدها، عليها أن تعيّ أن هناك طرقًا قصيرة،لذلك تبدأ من صناعة حالة تأييد للمملكة في أوساط الأمة، وتحديدًا في أوساط قواها الحيّة، وليس في دوائر المنتفعين والمتلوّنين، لكنه تأييد لا يأتي بالإكراه، إنّما بخطوات ملموسة تجرّد أعداء المملكة من دعايتهم، أو تسحب منهم بعض ذرائع العداء للملكة أو مهاجمتها عسكريا، ومن هذه الخطوات الإفراج عن المعتقلين؛ معتقلي حماس ،ومعتقلي الرأي السعوديين، وإعادة النظر في الموقف العدائي الاستئصالي من جماعة الإخوان المسلمين، وإبداء مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية، والكفّ عن المراهقات الإعلامية الإلكترونية الموجّهة ضد ثوابت فلسطين والأمة.

*إعلامية وكاتبة فلسطينية

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق