مقالات

التحامل على موقف الفلسطيني من الثورة السوريّة

د.سعيد وليد الحاج*
 هل تنكّر الفلسطيني لمأساة شقيقه السوري؟ ورأى دمه أغلى من دم أخيه؟
تتردّد هذه الجملة – للأسف – في بعض نقاشات وسائل التواصل الاجتماعي، وإذا كانت إجابتي البدهية على السؤال ،هي “كلا” كبيرة بالخط العريض،فليس من باب العصبية ولا التحزّب ولا الدفاع عن النفس، وإنّما للمغالطات المنطقية التي تتضمّنها.
فهذا الادّعاء يحتوي تعميماً، وتخصيصاً، ومبالغة، وقياساً خاطئاً، وإغفالاً لبعض الحقائق، وتفسيراً غيرَ دقيق لبعض المصطلحات أو مفردات الخطاب.
أولاً، ثمة تخصيص للفلسطيني بهذا الادّعاء، رغم أن الانقسام بخصوص القضية السورية ،وتأييد البعض لنظام الأسد موجودان في كل الدول العربية، بما في ذلك الشعب السوري نفسه، لكن لا يوجه اتهام بهذا السوء إلاّ للفلسطيني حصراً.
ثانياً، هناك تعميم في الكلام،يُظهر وكأن كل الفلسطينيين إلى جانب الأسد ضد شعبه،وهذا غير صحيح، إذ يكاد الأمر يكون محصوراً في التيارات اليسارية والقومية كما في الدول الأخرى، بل لعلّي أزعم أنه يشمل طيفاً فقط من هذه التيارات ،وليس قاعدتها الأوسع. ثالثاً، في الادّعاء/الاتّهام مبالغة واضحة، حين تحمل بعض الخلافات في النقاش على محمل “الدم الفلسطيني أغلى من الدم السوري” ،أو ما شابه. ولعلّه من المفيد الإشارة إلى أن كلاماً مثل هذا ،أو قريباً منه ،أو ما يحمل معناه أو معنى قريبا” من معناه لم يرد على لسان ،أو قلم الطرف المتهَم به، وإنّما هو اتّهام يواجههم ،بناء على نقاشات ومواقف أخرى. (في حدود ما أتابع طبعاً).
رابعاً، في العادة، يرد هذا الاتهّام في سياق نقد موقف بعض الفلسطينيين من حزب الله وإيران تحديداً، إذ إن من يقفون إلى جانب الأسد ضد شعبه قلّة قليلة،ولكن هذا يُحمل بشكل غريب على أنه استهانة واستخفاف بالدم السوري،رغم أن الخلاف عادة – في حدود ما أنا مطّلع عليه – يكون على الموقف من إيران والحزب في مقابل العدو الصهيوني ،وليس في مواجهة الشعب السوري، إذ إن الدور الذي لعبه الطرفان إلى جانب النظام ضد شعبه، مدان ومجرّم في نظر معظم من يرون موقفاً مختلفاً ،حين يكون العدو الصهيوني جزءاً من الحدث.
خامساً، توجّه هذه التهمة في معظم الأحيان لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، ولا سيّما بين يدي بعض التصريحات غير الموفّقة منها، أو المبالغة في شكر طهران ومديحها. ولعلّ حركة حـماس تحديداً،تلقى الجزء الأكبر من الاتهامات على هذا الصعيد.وينسى أصحاب هذا الادّعاء ،أو يتجاهل موقفها الأهم من الثورة السورية، حين غادرت الأراضي السورية ،وخسرت حلفاءها إيران والحزب لسنوات طويلة ،رفضاً لاتّخاذ موقف إلى جانب النظام،بل إن النظام اتّهمها مراراً بأنها وقفت ضده سياسياً وإعلامياً وحتى ميدانياً. حتى هذه التصريحات المذكورة، لم تتّطرق يوماً فيما أعلم ،لأي مديح أو حتى تفهّم للدور الإيراني في سوريا،وإنّما كانت محصورة في العلاقة معها في مواجهة العدو الصهيوني.
سادساً، ثمة حساسية من وفهم خاطئ لمصطلح مستخدم في العالم العربي منذ عقود ،وهو وصف القضية الفلسطينية بـ” المركزية”،إذ لا يقصد بهذا المصطلح تفرّد القضية الفلسطينية بالأهمية، أو الأولوية وعدم أهمّية ،أو أولوية القضايا الأخرى، وإنّما كان يقصد بها أنها قضية جامعة لكل العرب (والمسلمين) ،بعدِّها قضية تحرّر في مواجهة احتلال أجنبي ومشروع امبريالي .ورغم كل ذلك، من الملاحظ تراجع استخدام المصطلح من قبل كثير من الفلسطينيين وغيرهم مراعاة لهذه الحساسية.
في الخلاصة، لا خلاف على أن مأساة الأشقاء السوريين فوق الوصف والتخيّل والتحمّل. ولا شك أن الناس مشارب وآراء ،وهناك من وقف فعلاً إلى جانب الأنظمة ضد شعوبها متجاهلاً معاناتها الإنسانية. ويمكن القول بكل أريحية: إن الشعب الفلسطيني – مثله مثل الشعوب الأخرى – في غالبيته الساحقة وقف إلى جانب شقيقه السوري، شعورياً وإعلامياً ورمزياً وعملياً، بما أتيح له من إمكانات، وليس ذلك منّة ولكنه أقل الواجب.
في الأصل، لا ينظر الفلسطيني – وغيره – للقضية السورية ،على أنها قضية “الآخر”،وإنّما قضيته هي، قضية العالم العربي والإسلامي ،العابرة للحدود،والتي تختلف تفاصيلها من بلد بآخر، لكنها في الأصل واحدة،كما أنه لا ينظر للكيان الصهيوني على أنه عدوه فقط، وأن القضية الفلسطينية قضية محليّة تخصّه وحده، وإنّما هو مشروع استعماري غربي وعدو للجميع، وأما بعض الخلافات في المواقف أو الآراء ،فتحتمل الخطأ ،وتستحق النقاش والنقد والنقض والرفض لمن أراد، لكن لا ينبغي أبداً أن تــُحمل – بعد كل هذا – على فهم صعب أو اتهام خطير كهذا، فضلاً عما فيه من تعميم لا يصح.

*كاتب فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق