مقالات

رحيلُ الآنسِة سحَر الحَلَبي

محمّد خير موسى*
توفّيت في بيروت،في الثامن من أيلول ( سبتمبر ) ٢٠٢٠،الآنسة سحر الحلبي؛ الرّمزُ الأوّل للقبيسيّات في لبنان، وهنّ ينسبنَ إليها، فيطلَقُ عليهنّ “السّحريّات”،نسبةً إلى اسمها “سَحَر”
والآنسةسحر الحلبي، دخلت في جماعة القُبيسيّات ،على يد الآنسة أميرة جبريل،التي كان وصول القبيسيّات إلى لبنان،على يديها، وهي فلسطينيّة، تقيم في دمشق ،وشقيقة أحمد جبريل قائد الجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين “القيادة العامّة”،وهي من آنسات الصّفّ الأوّلى شديدات القرب من الآنسة منيرة قبيسي، مؤسسة الجماعة، التي تقيم الآن في حيّ الرّوضة الدّمشقيّ ،معتزلةً بسبب المرض،وشدّة وطأته عليها.
غير أنّ أميرة جبريل،سرعان ما انسحبت من المشهد، لتنتقلَ إلى الكويت،لإدخال الجماعة إلى المجتمع الكويتي، مؤسّسة جمعيّة “بيادر السلام”، وأخلَت السّاحة للآنسة اللّبنانيّة سحر الحلبي، لتتصدّر المشهد القبيسي في لبنان، وأصبحت القبيسيّات في لبنان، ينسبن لها ويطلق عليهنّ “السّحريّات”
كانت الآنسة سحر الحلبي، تتمتّع بصفاتٍ قياديّة، وتمتلك “كاريزما” بالغة التّاثير في الطّالبات، وكانت تجمع في شخصيّتها، بين القوّة واللّطف، مع قدرةٍ كبيرةٍ على مدّ جسور التّواصل في مع مختلف الجماعات ،في مجتمع بالغ التعقيد ،من حيث تركيبته العرقيّةى والطائفيّة، وانفتاحه الكبير.
كان للآنسة سحر الحلبي، دورٌ بالغ في ترسيخ وجود جماعة القبيسيّات في المجتمع اللّبناني، بحيث صارت السّحريّات جماعةً، لا يمكن لأحدٍ من العاملين في الحقل الإسلاميّ ،إنكار تأثيرِها وامتدادها داخل مختلف الجماعات لا سيّما الجماعة الإسلاميّة، التي هي تنظيم الإخوان المسلمين في لبنان.
وقد تميّزت السّحريّات، كما القبيسيّات، في مختلف أماكن وجودهنّ، بالامتداد داخل الجماعات الأخرى،عبر الزّيجات العابرة للجماعات، فتزوّج من السّحريّات، أبرز رموز الجماعة الإسلاميّة، الشّيخ القاضي فيصل مولوي رحمه الله تعالى،كما تزوّج منهنّ العديد من أبناء قيادات الجماعة الإسلاميّة وأفرادِها.
أثبتت الآنسة سحر الحلبي نفسها، وسط ظروفٍ شائكةٍ، وبالغة التعقيد، واستطاعت أن تُحدثَ تأثيرًا واسعًا في المجتمع السّنّي النّسائي، لا سيّما في نشر ثقافة الحجاب ،ومظاهر التديّن، و”الهويّة البصريّة” الموحّدة ،التي تعدّ من أبرز ركائز جماعة القبيسيّات.
وقعت الآنسة سحر الحلبي رحمها الله تعالى، بين طرفين من الغالينَ فيها؛ طرفٌ غلا في حبّها من طالباتِها حدّ التّقديس؛حتّى غدت بعض المشرفات، تقول للطّالبات: إنّ قول الله تعالى في سورة القمر “نجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ”،فيه إشارةٌ إلى أنّ سحر الحلبي، هي سبب النّجاة، وأنّ الله تعالى نجّى المسلمات في لبنان بها.
وطرفٌ ثانٍ، غالَى في مهاجمتها، وشيطنتها، والطّعن بها،حتّى ألصق بها من الموبقات الشركيّة والاعتقاديّة،ما لا يقبلُه مسلمٌ على نفسِه،وقد تزعّم هذا الطرف، فرقةُ الاحباش، الذين ما فتئوا يهاجمونها في دروسِهم ،وكتبهم ،ومن أبرز ذلك ما كتبه الشّيخ المنتسب لفرقة الأحباش، أسامة السيّد، بعنوان “دراسة شاملة عن التنظيم النسائي السّري الخطير لمنيرة قبيسي وأميرة جبريل وسحر الحلبي وفاديا الطّبّاع وسعاد ميبر”،ويقع في 123صفحة؛ وهو الكتاب الوحيد،الذي كُتبَ بهذا التّفصيل والحجم في الرّدّ على القبيسيّات، ومهاجمتهنّ، غيرَ أنّ الكتابَ، يفتقرُ لأدنى درجات الموضوعيّة، ويفيضُ بالتهجّم والشتائم ،التي تعبّرُ عن فقدان التّوازن، كما انّها لم تسلم من مهاجمة شرسة من الكثيرِ من أتباع المدرسة السّلفيّة ،لاسيّما السلفيّة العلميّة التّقليديّة، وغالبُ ما تعرّضت له من هجوم كان ناشئًا عن تصوّراتٍ مغلوطةٍ غير دقيقة، فكان الحكم في اغلبِه خاطئًا،لأنّه ناتج عن تصوّرٍ خاطئٍ في أكثر أحيانِه.
ستبقى الآنسة سحر الحلبي، رحمها الله تعالى، علامةً فارقةً في تاريخ العمل النّسائي الإسلاميّ السُّنّي في لبنان، ولن تتأثّر الجماعةُ من حيثُ بنيتُها، وهيكليّتها كثيرًا بفقدِها، فمجلسُ الآنسات الكبيرات في دمشق، بالتّشاور مع مجلس الآنسات الكبيرات في لبنان، سيتولّى تحديد الآنسة الكبيرة، التي ستخلُف الآنسة سحر رحمها الله تعالى، وستغدو الآنسة سحر ،بعد وفاتِها، أيقونةً تستحضرُها السّحريّات في حلقاتهنّ، حديثًا عن كراماتِها وشمائلِها واستذكارًا لعباراتها وأسلوبِها وتمثُّلًا لسلوكها ومنهجها؛ رحمها الله تعالى.
* كاتب وباحث إسلامي فلسطيني.

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق