مقالات

عندما اخترقت الحركة الصهيونية القيادات السياسية السورية

نوّاف القديمي*

قبل أسبوعين، نشرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، مقالاً أثار كثيراً من الجدل، تحدّث عن أن رئيس الحكومة السورية لفترتين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، جميل مردم بك، كان عميلاً للوكالة اليهودية.
في هذا السياق، تجدر الإشارة لما نشره الدكتور محمود محارب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، عبر عدة دراسات ومقالات عن علاقة الوكالة اليهودية، بالأوساط السياسية العربية قبل النكبة، منها ما نشره في مجلة( اسطور)، الصادرة عن المركز العربي عن علاقة الوكالة اليهودية بقيادات في الكتلة الوطنية والمعارضة الشهبندرية في سوريا، عقب ثورة ١٩٣٦ بفلسطين،ثم طوّر الدكتور محارب هذه المادة ،وعمّق البحث ،وأعد مادة كتاب جاهز للنشر ،سيصدر بحدود ٤٠٠ صفحة، منها مايقارب ال ١٠٠ صفحة وثائق. وقد استمتعت بقراءة مسوّدة هذا الكتاب قبل نشره.
أقل ما يُقال عن هذا الكتاب،أنه مهم ومثير ومفاجئ، وحجم المعلومات والوثائق المرفقة فيه صادمة. ثلاثة رؤساء حكومات في سوريا، واثنان في لبنان، تعاونوا قبل النكبة مع الوكالة اليهودية، واجتمعوا بقادتها مرّات عديدة، وأبدوا تفهّما للحقوق اليهودية في فلسطين، وقبولاً بالهجرة اليهودية لها. إضافة لعدد من الوزراء والسياسيين والناشطين، بعضهم كان عميلاً رسمياً للحركة الصهيونية، يجمع لها المعلومات، ويكتب لحسابها التقارير، ويرصد لها حركة وأسماء المتعاونين مع الثورة الفلسطينية في الشام ،وصفقات السلاح المهرّبة لصالحها، وتمنحه الوكالة اليهودية مقابل ذلك،مبالغ مالية منتظمة. وشمل هذا الاختراق المنظّم والواضح طرفي المعادلة السياسية السورية، الحركة الوطنية المؤيّدة للجمهورية، والمعارضة الشهبندرية المؤيّدة للحكم الملكي الهاشمي في سوريا، إضافة لعدد من قيادات جبل الدروز. ومع تأكيد المؤلف على أن الوسط الشعبي والسياسي في الشام، كان في معظمه داعماً ومؤيداً للثورة الفلسطينية، إلا أنه وثّق في كتابه حجم الاختراق الصهيوني، الذي حصل لعدد من قيادات تلك المرحلة.
كما وعقد المؤلف فصلاً، رصد فيه كيف استطاعت الحركة الصهيونية، وخلال سنتين فقط ١٩٣٧ و١٩٣٨، اختراق الصحف السورية واللبنانية، حيث استطاعت في هذين العامين أن تنشر مايقارب ٢٨٠ مقالاً مدسوساً في هذه الصحف، وكانت تُنشر إمّا بأسماء عربية ،أو باسم هيئة تحرير الصحيفة، وجميعها تصبّ في خدمة المشروع الصهيوني وقبول الهجرة اليهودية لفلسطين. إضافة لإثارة بعض الموضوعات،التي تصبّ في خدمة هذه القضية. وكل ذلك،مقابل دفع مبالغ مالية لتلك الصحف. بل وتطوّرالأمر لشراء بعض تلك الصحف ،لتكون ناطقة باسم الوكالة اليهودية ومشروعها.
الظريف أنه في كل اللقاءات، التي تجمع سياسيين سوريين مع قيادات في الوكالة اليهودية، كانوا يختمونها ب: “ضرورة الحفاظ على سرّية ما دار في هذا الاجتماع”.وطبعاً الصهاينة يسجّلون كل ما يدور ويحتفظون به، وكل الوثائق السرية يُكشف عنها بعد فترة، وتظهر الحقائق التي لا يتطرّق لها، بل ويخفيها، السياسيون العرب حين يكتبون مذكراتهم.

*كاتب سعودي

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق