مقالات

السيناريو السعودي المحتمل: نظرة تمهيدية

وليد عبد الحي*
يغلب على الدراسات المستقبلية في تنبؤاتها الخاصة، بالظواهر الاجتماعية والسياسية،تحديد المستقبل من خلال ثلاثة سيناريوهات، هي: بقاء الوضع الراهن، أو التغيّر النسبي،أو التغيّر الجذري،وهو ما يعني، أن المؤشّرالمركزي في الدراسة المستقبلية،هو رصد بُنية الظاهرة( السلطة السياسية- المجتمع السياسي-البيئة الاقليمية- البيئة الدولية- التأثير المتبادل بين البنى-قياس ايقاع التغيّر- قياس التسارع في التغيّر- مركز التغيّر- انتشار التغيّر -التغذية العكسية للتغيّر…الخ).
فإذا حاولنا تطبيق المنهجية السابقة على المملكة العربية السعودية،فإن الأمر يقتضي رصد التغيّرات البنيوية ،على المستوى المحلي،والإقليمي، والدولي،وتداعياتها على تلك البنية.
أولا: بنية السلطة:
منذ ثلاثينات القرن الماضي،توالى على الحكم في السعودية،سبعة ملوك هم: عبد العزيز(حكم 21 سنة)- (سعود 11 سنة) – (فيصل 11 سنة) – (خالد-7 سنوات) –( فهد 23 سنة)-(عبد الله 10 سنوات)- (سلمان 5 سنوات).وهنا نلاحظ ما يلي:
1- اذا استبعدنا حالة الملك فهد،فإن مدّة الحكم تتناقص تدريجيا(21- 11-10- 5 )، أي أن الاتجاه التاريخي لمدة الحكم ،يتناقص في ست حالات من سبع( بغض النظر عن الأسباب).
2- في ولاية العهد،نجد ما يلي: مدّة تولّي ولاية العهد: (سعود 20 سنة) –(فيصل 11 سنة)- (محمد بن سعود(سنة واستقال)- (خالد 10 سنوات)-( فهد 7 سنوات)-(عبدالله 23 سنة)-(سلطان 6 سنوات(توفي)- (نايف 5 سنوات(توفي)- (سلمان 3 سنوات)- (مقرن سنة واحدة)- (محمد بن نايف سنتين)- ٨(محمد بن سلمان من 2017).
ذلك يعني وبوضوح ،أن ايقاع التغيّر في رأس السلطة يتسارع،كما أنّ التسارع في تغيير ولي العهد، يتسارع وبوتيرة أعلى من ايقاع التغير في رأس السلطة،وهو ما يخفي تزاحما أكبر على السلطة،لعدة أسباب:
أ‌- الصراع الصامت، بين الفروع للعائلة السعودية،فالصراع الأقوى هو بين السديريين(أبناء وأحفاد فهد- سلطان-عبدالرحمن- تركي الثاني—أحمد-نايف-سلمان) ،وآل الكبير( بقية الأبناء لعبد العزيز وفروعهم )، وقد اتّضح هذا خلال فترة حكم الملك عبدالله، عند استبعاد نايف،،وتشكيل هيئة البيعة، ويلاحظ ان السديريين،حكموا 28 سنة ،مقابل 39 سنة للبقية، أمّا المستوى الثاني من الصراع، فهو بين بقية الفروع من العائلة، مثل:آل جلوي،والكبير ،وآل تركي ،والثنيان ،والفرحان ،والسديري.
ب‌- التزاحم مع تزايد عدد الأمراء،فمع نهاية التسعينات،تشير إحدى الدراسات المتخصّصة، إلى وجود أكثر من 20 الف أمير، من الأصول والفروع والفسائل (معروف أن ابن سعود، أنجب 44 ابنا ،من 22 زوجة)، أي أن عدد المتزاحمين على كرسي العرش،جعل دائرة المتنافسين، أكبر من التنافس بين عدد محدود، كما كان الحال في البداية.
ت‌- صراع الاجيال،فهناك الجيل الأول،الذي يمكن اعتباره في مرحلة الانقراض، وهناك الجيل المتوسط، وأخيرا الجيل الجديد،وهو الجيل الأكبر عددا، ولكنه يفتقد للمعايير التقليدية لتولّي العرش (مثل العمر-الالتزام الديني-أن يكون من أم سعودية-الخبرة-، وأخيرا أن يتمتّع بعلاقة جيدة مع المجتمع).
ويبدو لنا،أن سلسلة القرارات،التي اتّخذها محمد بن سلمان،ولي العهد الحالي،إلى مواراة المنافسين له من كل جوانب العائلة وفروعها،لكنها جعلت كفّة خصومه في العائلة،أكبر من كفّةقانصاره ، لأن قراراته(باستبعاد ابن نايف،ومقرن، وأبناء عبدالله بخاصة متعب)،مسّت وبعمق ،وبطريقة جارحة المكانة السياسية ،والاجتماعية لكل فروع العائلة الخمسة ،التي أشرنا لها وبدون استثناء.
ثانيا البنية المجتمعية:
ثلاث ركائز، تجذّرت في بنية النظام السياسي والاجتماعي السعودي،منذ نشوء الدولة السعودية.الركيزةالأولى،هي المنظومة المعرفية للمجتمع السعودي، والتي تمثّلت في المذهب ” الوهابي” المغالي في محافظته،والركيزة الثانية،هي العصبية بالمفهوم الخلدوني، ممثّلة في ” آل سعود”،بينما تمثّلت الركيزة الثالثة في ” الدخل الريعي” المستند بالبترول.
ويبدو أن الركائز الثلاث،تواجه اعصارا، يهزّ جذورها في العمق، فاتجاه ” الانفتاح” ،الذي يتبنّاه ولي العهد محمد بن سلمان، يقوم على “خلخلة” قواعد الركيزة الوهابية،بضرب حرّاسها، بدءا من هيئة الأمر بالمعروف،مرورا بتغيير التأريخ من الهجري للميلادي،ثم اعتقال رموز المنظومة المعرفية الوهابية أو تفرّعاتها، ناهيك عن تصنيف حليف تاريخي ،كالإخوان المسلمين، في قائمة الحركات الإرهابية، مرورا بقوانين قيادة المرأة للسيارات، وشقّ الطريق أمام المرأة السعودية، نحو مشاركة أوسع في قطاع العمل ، وصولا إلى مشروع ” نيوم”،الذي سيتجاوز قيود المنظومة المعرفية التاريخية.

– في مؤشّر الفساد(الشفافية)،حصلت على نقطة 53% ،مع تحسّن خلال الفترة بين 2015 الى 2020 بمعدّل 3 نقاط.

-في مؤشّر عدم الاستقرار السياسي،تحتل المرتبة 138 بين 195دولة، وبمعدّل ( _ 0.53) على مقياس من + 2.5 الى _ 2.5).

-في مقياس جيني(Gini )،للفروق الطبقية: لو قسّمنا العالم، إلى تسع فئات (من أعلى الفروق الطبقية اإلى أدنى الفروق)،فإن السعودية،تقع ضمن الفئة الخامسة، أي ضمن الأعلىفروق طبقية، تصل الى 45.9).
الخلاصة:
أعتقد أن السعودية، خاصةبعد وفاة الملك سلمان( معدّل العمر في السعودية 75 سنة، والملك عمره الآن 84 سنة)، ستميل نحو قدر من عدم الاستقرار السياسيون الذي ستجد فيه صعوبة للتكيّف مع معطياته، وهو ربّما ما سيؤثّر بشكل عميق على بنية الدولة والمجتمع،وعلى كل دول مجلس التعاون الخليجي.

*باحث استراتيجي.

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق