مقالات

قليلًا عن هيئة كبار العلماء في السّعوديّة

محمد خير موسى*

في ستينات القرن الماضي، وجّه المفتي الشيخ محمّد بن إبراهيم آل الشّيخ، والذي ينتسب للشّيخ محمد بن عبد الوهاب؛ انتقادات للسّلطة الحاكمة في السّعوديّة، عبر رسائل مهذّبة،تمّ توجيهها إلى المسؤولين، ابتداءً من الملك فيصل بن عبد العزيز فما دون، حول عدّة قضايا متعلّقة بعمل المحاكم والمؤسسات التجاريّة، وبعضها متعلّق بمدارس البنات في مكة المكرمة.
كان الشّيخ محمّد بن إبراهيم،الذي تولّى الإفتاء منذ إنشاء دار الإفتاء عام 1955م صعب المراس،وعصيًّا على الاحتواء بنسبة عالية، وكان يسعى بدأب إلى عدم تدخّل الدّولة في المؤسّسة الدّينيّة بأي ثمن، وفي أواخر حياته،سعى إلى تشكيل لجنة من العلماء تسدّ الفراغ الذي سيحدثه غيابه، وفعلًا ،وضع اللمسات الأخيرة على هذه اللّجنة،لكنّ الأجل وافاه سنة 1969م ،قبل إتمام مشروعه.
وبعد وفاة الشّيخ محمد بن إبراهيم آل الشّيخ،خلا الجو للعائلة المالكة والملك فيصل، للتدخل بأريحيّة في فضاء المؤسسة الدينيّة.
وفي عام 1971، أصدر الملك فيصل مرسومًا ملكيًّا بإنشاء “هيئة كبار العلماء” ،مستلهمًا ذلك من تجربة عدوّة اللّدود جمال عبد النّاصر في احتواء المؤسّسة الدّينيّة الذي قام عام 1961م،بما أسماه “إصلاح وتطوير الأزهر”،وألغى من خلال إجراءاته “هيئة كبار العلماء، وأسّس مكانها “مجمع البحوث الإسلامية”، بغية السّيطرة على المؤسّسة الدّينيّة، التي كان استقلالها يؤرّقه،كما كان استقلال المفتي محمّد بن إبراهيم والشريحة المشيخيّة يؤرّق الملك فيصل.
ومنذ عام 1971م ، دخلت المؤسسّة الدّينيّة الرّسميّة في السّعوديّة المتمثّلة في “هيئة كبار العلماء”، التي يرأسها حكمًا مفتي المملكة ،مرحلة التّفتيت والتحييد والتّهميش المتدرّج.
ومع فقدان المملكة الأسماء الرّمزيّة الكبيرة من أعلام السّلفيّة العلميّة النّجديّة، من أمثال الشّيخ ابن باز والشّيخ ابن عثيمين،باتت مهمّة التّهميش والاحتواء، أيسر بكثير،لتتحوّل الطريقة من الاحتواء إلى التّسيير.
وتحوّلت “هيئة كبار العلماء” تدريجيًّا ،من مؤسسة تقدّم الشورى الشرعيّة لوليّ الأمر فيما تحتاجه الدّولة ،كما نصّ مرسوم تشكيلها إلى أداةٍ تشرعن كلّ ما تريده السّلطة الحاكمة، ولسانًا ناطقًا باسم “وليّ الأمر”،ليصل الأمر بها منذ تولّي الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى لسان ناطق باسم أجهزة المخابرات في المملكة.
غير أنّ استخدامها ،لم يبلغ في زمنٍ من الأزمنة تلك الفجاجة، التي يتمّ استخدامها بها في عهد الأمير محمّد بن سلمان ورئاسة الشّيخ عبد العزيز آل الشّيخ؛ فقد غدت اليد الشرعيّة التي تكش طُ ما تبقّى من الجلد الإسلاميّ عن جسم السّعوديّة الجديدة ،التي يريدها ابن سلمان بعيدةً عن الدّين ،تحت عنوان “محاربة الإسلام السّياسي”.

* كاتب وباحث فلسطيني.

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق