مقالات

غزّة هي العظمى وليست بريطانيا

بقلم : عبدالهادي راجي المجالي.

الأخ العزيز/ إسماعيل هنيّة( أبا العبد)

صباح الخير ..لقد تابعت قرار وزارة الداخلية البريطانية بتصنيفكم حركة إرهابية …وحقيقة فاجأني ردكم , أنتم أصلا تحتاجون لرد واحد فقط وهو : ( طز) ..كان على المكتب الإعلامي للحركة، إصدار بيان يتضمّن كلمة واحدة فقط وهي : طز …
أصلا غزّة أهم من مانشستر , لقد تحمّلت مئات الأطنان من النار والبارود ،ومانشستر لم تحتمل الكورونا …هل يجوز بالعقل والمنطق، لمن يعيش في الرخاء والسمنة الزائدة والخوف , أن يعطي تصنيفا لمن يعيش، تحت الصفيح، وفي المخيم ،ولايرتجي من الدنيا سوى رضى ورحمة الله ؟ …
وأنت يا أبا العبد،أهم بوريس جونسون رئيس وزرائهم , أتدري لماذا ؟ لأن بريطانيا ، كانت تسمى بريطانيا العظمى …والان صارت (ملطشة)، لم تستمر في الاتحاد الأوروبي، ومترنّحة بين المضي في السير ،تحت العباءة الأمريكية , وبين عباءة الجغرافيا والتاريخ وهي أوروبا …في النهاية، أتعبها البرد، لاحظيت بتلك ولا بتلك …بالمقابل، أنتم صرتم ( غزّة العظمى ) …أتدري لماذا ؟لا عباءة غربية قامت بتغطيتكم , ولا عباءة دولية وفّرت لكم الحماية ،خضتم العمر مثل (أبي ذر الغفاري) ..ولدتم وحدكم، ومشيتم الحياة وحدكم،وقصفتم وحدكم ،وحاربتم وحدكم ..وها أنتم الآن وحدكم …إذا من يصنّف الآخر( غزّة) العظمى أم بريطانيا (الملطشة) ؟
أنت أيضا يا أبا العبد ،أهم من بوريس جونسون ..قلي كيف ؟ ..هل يتناول جونسون مثلك الشطة ..هل ولد في مخيّم؟…هل يرتدي دشداشة ،ويخطب يوم الجمعة في الناس ؟ ..هل يعيش في زهد ،ويلتحف الزهد ،وينام على الزهد ؟ …هل له رفاق في الحركة ،كلّهم سقطوا باغتيالات …وكلّهم صعدوا عليين شهداء ؟ ..جونسون رفاقه في الحزب،أغلبهم ماتوا بسبب السمنة …بالمقابل ،رفاقك ماتوا لأجل قضية ووطن وعقيدة …وأنت حين تصعد لخالقك ،صدّقني أن الأكف الضارعات لله ستحملك , وسيكتب عنك التاريخ، أنك عشت العمر بين الاستهداف والحرب ،وكنت مشروع شهيد …هو سيذهب لمركز جنائز ، وسيدفن من دون مراسم ،وسيكتب عنه التاريخ أن شعره كان غريبا ..وأنه متعصّب تجاه بريطانيا , ولم يكن يحب أوروبا …بالمقابل ،يكفيك شرفا، أن التاريخ سيكتب عنك ،أنك لم تترك فرضا ولا سنة , ولم تترك كتاب الله أبدا …
طبعا (غزّة) عظمى …وهي من تصنّف، وليس وزارة الداخلية البريطانية …تخيّل لو أن امراة من بيرمنغهام , مات ابنها في قصف جوي ..تخيّل كم من الورد،سيوضع على باب الدار ..وكم طبيب نفسي، سترسله الدولة كي تتجاوز الأزمة , وكم من رسائل سترسل لها على الفيس بوك …وكم من اعتذارات ستقدّم لها ..بالمقابل النساء في غزّة،حين يستشهد ابنها ،تختصر المشهد بكلمة واحدة وهي : (مشان فلسطين ) …وتمضي في العمر ،ومن الممكن أن تنجب غيره ..وتواسي نفسها فقط، بالقليل من الدعاء ،والكثير من الصلاة ….وتؤهّل الشقيق الأصغر كي يسير في درب الشهيد …نحن يا ( اسماعين) ..يدري بنا الله فقط , ولا نحتاج لحكومات تواسينا ،ولا نحتاج لورد يوضع على بوابات المنازل، ولا أطباء نفسيين …نحن الله من يدري بنا فقط , ومن معه الله لا يحتاج لأحد …
سؤال اخر ،هل تنتج بريطانيا مخلّلات ؟ هل تنتج فسيخ ؟ هل تنتج من رمل البحر ألف قصيدة …وألف مقاوم ؟ …هل تنتج من المواسير الصدئة سلاحا …هل يوجد فيها …أنفاق ؟ ..هل يوجد بحر محاصر ….(غزّة)… كل عثرات الزمن اجتمعت فيها ..لكن مصانعها أهم من مصانع (رنج روفر) و (ورولز ريس) و (جاغوار) أتدري لماذا ..لأن فيها مصانع للإرادة ..والإرادة لدى الناس، هناك أقوى من حديد الرنج روفر ..على الأقل ،هذه السيارة بقذيفة تتحطّم، وتصبح أشلاء ..بالمقابل رموا على إرادة الناس في ( غزّة) الألوف من أطنان القذائف ..لم تتحطّم الإرادة أبدا …ثمة فارق بين مصانع يبنيها الله ..لإنتاج الشهداء , ،ومصانع تبنى للرفاه ،وصرف المال،وامتطاء السيارات الفارهة …على الأقل (الرولز رايس) بعد سنين من الاستعمال ،تصبح خردة ..ولكن الحب وحلم التحرير، يتجدّد كل يوم ،ومن المستحيل أن يصبح خردة …عندكم،أغرب شيء في العمر، أن تصنّف بريطانيا العاجزة ( غزّة) العظمى ….
أنا لا أريد بيانات ..أريد أن ترسلوا لوزير الداخلية البريطاني (مرطبان شطة)، من صنع يد أم حسن في مخيم الشاطيء ..وإذا استطاع أن يحتمل ملعقة منه , سنقبل حينها بقراره ..وأشك أنه يستطيع ذلك ….من تعامل مع القصف والهدم على أنه (شطّة) حادة عبرت الروح بالمقابل …أعطت للشهادة طعما أروع , حتما من العار على التاريخ والبشرية ..من العار على الفداء والتضحية، ومن العار على الشموخ والكبرياء ..من العار على العالم كله أن يقبل .. بقرار لوزير معتوه ،يصنّف فيه من وضعوا الله بين العيون، وفلسطين في القلب على أنهم يمارسون الإرهاب …

في النهاية ( غزّة ) العظمى ،تبقى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها البنادق ..ولا تغيب عن مساجدها الصلاة , ،ولا تغيب عن ارحامه الحياة ..ولا تغيب عن شوارعها أحلام الحرية ….وللعلم ،هي التي تشرق على الشمس ،وليس الشمس من تشرق عليها …
تحيا غزّةة العظمى , لقد استعمرت قلبي تلك المدينة ..وأنا للأمانة أؤيّد ذاك الإستعمار وأعتز به ….المدينة التي تستعمر قلوب كل هؤلاء البشر ،ألا تستحق أن تكون عظمى ؟!

 * كاتب أردني ساخر

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق