مقالات

النزعة الاحتكارية والإقصائية لدى حركة فتح إزاء المنافسين


ساري عُرابي*
 واحدة من أكبر المشاكل، التي فتكت بالعمل الوطني الفلسطيني: النَفَس الاحتكاري والإقصائي، لدى فتح إزاء المنافسين الجدّيين. ثمة عوامل في أصل التكوين الفتحاوي، وعوامل أخرى تشرّبتها حركة فتح تاريخيًّا، في هذا التاريخ الطويل ،صدّق الكادر الفتحاوي الكثير من الدعاية ،التي كان يخترعها لتحجيم منافسه الصاعد، هذه الدعاية تحوّلت إلى كلاشيهات ،وقوالب تفكير خشبية، تُستدعى عند كل مجابهة سياسية مع حماس، كما في التعليقات التي نقرؤها ،حول استقبال هنية الحاشد في مخيم عين الحلوة.
يضاف إلى ذلك، أن العمل السياسي هو بطبعه تدافع ومنافسة، حتى بين الشركاء ،وداخل الفصيل الواحد،لكن القضايا الكبرى ،والظرف الواحد ،والمصير المشترك، ينبغي أن يُهذّب من هذا التدافع ،وأن يخفّف من تلك العقد التاريخية، وأن يتخلّص من قوالب الدعاية الصفراء، لأننا في النتيجة سندفع الثمن معًا، كما ثبت ذلك في أكثر من موقف، في معاركنا ضدّ الاحتلال، أو في تصدّينا للمؤامرات المحيطة.
يكاد القارئ لتلك التعليقات،يستشفّ من خلفها رفضًا لفلسطينية الحمساوي، وكأنّه نبت طارئ على هذه الأرض، مع أنه منها من كل وجه،وحتى أيديولوجيته أكثر عمقًا بالنسبة للنموذج الفكري المهيمن على الجماهير،وحتى خطابه الوطني ونضاله ،أكثر شبهًا بخطاب حركة فتح العتيق ،قبل تحوّلات فتح نحو أوسلو، ومقتضيات السلطة، وشروطها، وإكراهاتها.
نعم يمكن انتقاد حماس، على الكثير حول وعي جمهورها بتاريخ الكفاح الفلسطيني، لكنّي أعتقد أنها اليوم، هي وكادرها أكثر تطوّرًا وقبولاً لفرقاء الحركة الوطنية، وتحرّرًا من العقد التاريخية، ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة ،إذا تخلّصنا من تلك القوالب ،التي غرسناها في عقولنا ،وصارت نظّرات جاهزة نرى بها الآخرين.
ومع أني أعيش داخل الأرض المحتلة، إلا أنه يمكنني رصد الكثير من الإخفاق والتقصير تجاه شعبنا في مخيمات اللجوء في لبنان وغيرها، من كل وجه، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وأنّ الفراغ الذي خلّفته منظمة التحرير ،لم يُملأ بالشكل الصحيح والقدر الكافي، وأنّ الزيارات بما تتسم به من حشد وبهجة، إذا لم تتبع ببرامج عمل كثيفة ،تعيد تأطير جماهيرنا في الشتات ،وتعيد الاعتبار لهم ،فهي مجرّد زيارات موسمية واستعراضية، لكن هذا التقصير من الجميع، أساسه منظمة التحرير، التي انسحبت لصالح سلطة محدودة الصلاحيات للغاية داخل الأرض المحتلة، وحتى إخفاقات حماس وأخطاءها غير منفكّة عن الأخطاء الأساسية لفتح ومنظمة التحرير.
أعتقد أن استقبال هنيّة في عين الحلوة، وأي مكسب جديد لحماس، ينبغي أن يدفع فتح للتفكير بطريقة متحرّرة من قوالبها ونظارتها التي اخترعتها، وعلى أساس أن حماس جزء أصيل من الفلسطينيين ،يحاول أن يعوّض الخسائر التي تسبّبت بها فتح .
*كاتب وباحث فلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق