بقلم : د.وليد عبد الحي
تدور المواجهة الحالية في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، ضمن معطيات فيها العديد من الالتباسات:
1- يبدو أن حركة حماس أقرب في هذه المرحلة إلى الجهود المصرية منها إلى تيار التصعيد ، فليس لها مشاركة تذكر حتى الآن في المواجهة الميدانية الحالية ، على الرغم من رفع مستوى الجاهزية القتالية، وتصريحات قادتها توحي بقدر من ” التروّي”.
2- الإعلان عن تفعيل غرفة العلميات المشتركة بين فصائل المقاومة ،هو أقرب” للعمل التعبوي والنفسي ” منه للعمل الفعلي، ويبدو أن الرغبة الكامنة وراء الإعلان، هي للتأكيد على لجم احتمالات الخلاف بين الفصائل على إدارة المعركة، ومنع أي تشقّقات في جدرانها ، لا سيّما في ضوء دلالات النقطة الأولى .
3- يبدو أن بيان سلطة التنسيق الامني بتحميل “إسرائيل” المسئولية، ليس أكثر من محاولة ” نحن هنا” ،وللظهور بمظهر من يتحكّم بالقرار الفلسطيني ، مع أن هذه السلطة لا في العير ولا في النفير، بخاصة أنها ترى في كل ضغط على المقاومة المسلحة مكسبا لمشروعها الخائب.
4- تدور المعركة في ضوء رغبة ” قبائل التطبيع العربية القديمة والحديثة” في إزاحة أية احتمالات لعرقلة مسار التطبيع المتصاعد منذ 1979، ومن المؤكّد أن ” دبلوماسية الإنابة” ستتحرّك فورا.
5- أمّا في المستوى الدولي ،فهناك قضيتان استراتيجيتان ينشغل بهما العالم أكثر كثيرا من الموضوع الفلسطيني ، فالحرب الأوكرانية، والتوتّر العالي حول تايوان يتفوّقان على الموضوع الفلسطيني بنسبة خيالية (سياسيا وعسكريا واقتصادية واعلاميا)، وبالتالي لن تكون “إسرائيل” تحت وطأة نشاط دولي سوى تصريحات عابرة من هذه الدولة أو تلك.
6- يبدو أن “إسرائيل” تريد تحقيق بعض الإنجازات في ضوء تطوّرات غير مواتية لاستراتيجيتها العامة مثل: الوزن الذي كسبه حزب الله في مساومات ” كاريش” اللبنانية حول الغاز، وعودة التفاوض الأمريكي الإيراني حول البرنامج النووي الايراني ، وهو أمر لا تنظر له “إسرائيل” بارتياح، ناهيك عن بعض ظلال التنافس الحزبي الإسرائيلي في الانتخابات القادمة والقريبة، على الرغم من أن وزن هذا العامل ،هو وزن هامشي في تحديد الاستراتيجة الكبرى للكيان .
من زاوية أخرى، فإن توقّف العمليات –إنْ توقّفت- لا يعني أن “إسرائيل” تخلّت عن استراتيجية الاستفزاز لجرّ المقاومة للمواجهة، لفرض وقف لاطلاق النار لفترة طويلة، وقد تسعى “إسرائيل” لاستغلال هذه المواجهة الحالية للحصول على اتفاق تهدئة جديد وبشروط محسّنة” لها.
أخيرا وللمرة الألف ، ليت قيادات المقاومة تكفّ عن الانجذاب نحو ” مبالغات الخطابة “، إذ إن المسافة البعيدة بين الوعيد وبين التطبيق لا تزال بعيدة حتى على زرقاء اليمامة، وإن الاستمرار في هذه السياسة ،سيفقد المقاومة ” مصداقيتها” ، والتعبئة الاعلامية في الحروب علم قائم بذاته، ولا يجوز عبور المسافة الفاصلة بين” لا يكلّف الله نفسا الا وسعها” وبين “مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا, وَماء البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سَفِيْنَـا. وعليه أتمنى، أن لا يتحدّث أي قائد فلسطيني قبل المناقشة الدقيقة لمضمون ما سيقول(مفرداته وجمله) ،وكيف يقول(لغة الجسد والإيحاءات المدروسة) ،ومتى يقول(الزمن الأنسب لاطلاق القول) ،ومكان القول( فرق بين خطاب المظاهرات والخطاب في محفل دولي”.
* باحث وأكاديمي أردني