بقلم : د. رامي عياصرة
تشرّفت بتلبية الدعوة لحضور حفل تأبين الراحل الكبير السياسي والمفكّر عدنان أبوعودة رحمه الله ، بتنظيم مميّز من مركز السياسة والمجتمع ،وبحضور جمع غفير من السياسيين الاردنيين من مختلف التوجّهات.
ما يميّر سيرة الراحل أبوعودة، هو شخصيته القوية التي تركت البصمات الواضحة خلال مسيرته الطويلة في الخدمة العامة ، لمدة تزيد عن 35 عاما، تقلّب خلالها على عديد المناصب والمواقع المؤثّرة والسيادية في الدولة الأردنية ،وفي ظروف غاية في الصعوبة والحساسية، كان أبرزها شغله وزارة الاعلام في حكومة وصفي التل، أثناء أحداث ” أيلول الاسود “، ومستشارا للملك الراحل الحسين بن طلال عام 1988،وإنتاج وصياغة قرار “فك الارتباط” .
إذن، فقد كان للرجل إسهام واضح في تحديد ملامح سياسة الدولة الأردنية، تجاه العديد من القضايا الهامة التي أدلى فيها برأيه وفكره دون النظر إلى الشعبويات ، وانتظار آراء الآخرين، وردّات أفعالهم على ما يؤمن به ويطرحه، لدرجة أنه تعرّض لمحاولة اغتيال من قبل المنظمات الفلسطينية بتهمة “الخيانة” من خلال زرع عبوة ناسفة أمام منزله ، بسبب قربه من الشهيد وصفي التل، وعلاقته الخاصة به ،والذي كان يحبه كثيرا ويزوره في بيته، وفي مرحلة لاحقة من حياته ، تم تحويله إلى محكمة أمن الدولة بتهمة اثارة النعرات وتهديد الامن الاجتماعي ،لرأي أدلى به كما ذكر ذلك نجله، وهو يروي ما حدث كشاهد عيان على تلك الوقائع.
ما يميّز سيرة و شخصية الراحل أبوعودة، أنه بالرغم من تقلّده مناصب عديدة ومهمّة في مسيرة حياته، لم يتكسّب من وظيفته، ولم يثر على حساب المال العام ، وعاش ومات ببيت متواضع في صويلح قياسا مع نظرائه الآخرين، وفي الوقت نفسه ،لم يُدخل احداً من أبنائه وبناته على مواقع الخدمة العامة والوزارات.
لكن أبرز ما جرى له في آخر عشر سنوات من حياته، وترك غصّة في نفسه، أنه شعر ” بالتهميش ” الكامل من قبل الدولة الأردنية، التي قضى عمره مؤتمنا عليها ، وباذلا أقصى جهده وبمنتهى الإخلاص ،سواء اختلفنا معه او اتفقنا.
عندما نستذكر عدنان أبوعودة وأمثاله من رجال الدولة، نعرف اننا أمام قامة محترمة،وأننا نتحدّث عن رجال من طينة الكبار، ممن نفتقد أمثالهم في الدولة الأردنية اليوم ،وفي الفضاء العام الذي تم تصحيره وتكنيسه بالكامل .
* ناشط سياسي أردني
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى