بقلم : الفنان رشيد غلام
من تغشى عينَهُ اعمالُ ومسرحيات الممثّل محمد صبحي،وهي تنتقد الدكتاتورية، وتنشد العدالة والحرية ،فيضعُهُ في مصاف المثقفين الأحرار والفنانين أصحاب القضية ؛ يزيلُ الغشاوة عنه موقفهُ المهين ُوهو يمجّد الطاغية السفّاح السيسي المنقلب ، ويعتبرهُ منقذاً للإنسانية ومغيّرا لمجرى تاريخ الانسانية .
من ينبهر بجرأة المخرج خالد يوسف في فيلم (هي فوضى وصرخة نملة) ، وإبداع تصويره للظلم والدولة البوليسية ،فيحسبُهُ فنانا حراً صاحب مبدأ وقضية إنسانية ، يفجأهُ و يفجعه مؤازرةُ خالد يوسف للانقلاب على الشرعية والإطاحة بالديمقراطية ودعوته لتأليه السفاح السيسي ، والإشادة بمجزرة رابعة .
يكتشف الأحرار أن هؤلاء كانوا مخادعين ، مشتركين في لعبة تنفيس الغضب الشعبي والإيهام بوجود الرأي الاخر، والحرية في التعبير، ولم يكونوا في الحقيقة سوى مرتزقة، يبحثون عن كثرة الإيرادات أو التميّز عن كثرة المعروض.
ليس سوى ممثّلين يقومون بتجسيد سيناريو، لا يعكس شخصياتهم ولا مبادئهم ، تحت الطلب وحسب الأجرة . خدمٌ لمن يدفعُ أكثر .
صبحي ويوسف هما نموذجان لكثير من الفنانين المرتزقة ، الذين تضجّ بهم الساحة الفنيّة المصرية . منهم من يتحوّل حسب اللزوم ، ومنهم من يحافظ على صورته المخادعة دائماً .
في الثورة السورية أيضاً مخادعون كثر ، أخبثهم دريد لحام ، الذي أثخمنا حديثاً عن الكرامة والحرية وسبّ الطغيان في أعماله الفنية ، ولمّا قام الشعب السوري بالمطالبة بالحرية، انبرى الممثّل لحام يقدّس السفّاح بشار، ويسبّ الأحرار، ويبرّر قتل الأبرياء والأطفال .
وفي مصر من هؤلاء الفنانين المخادعين كثير، كما في كل وطننا العربي المدسوس تحت وطأة الاستبداد الأمارة أو الملوكي أو العسكري، فمنهم مرتبط بتمجيد الحاكم أو السكوت عن ظلمه أو خدمة سياسته في ترسيخ وطنية الاستبداد ودين الانقياد . يتفاصحون بالثقافة والنبل وخدمة الإنسانية والفن الراقي وما الى ذلك من الدعاوى، حتى إذا جاؤوا باب السلطان الحاكم، أناخوا رواحل الفن على عتبة الاستجداء والارتزاق الوضيع.
وقد تابع الجمهور العربي تحوّل صاحب رثا والبندقية إلى بوقٍ بشاري يناصر “ممانعة” نظام بشار بعد أن كان يتغنىّ بأشعار درويش المقاومة ،وتابع أيضا كيف خرست من غنّت لأحبّائها “المقاومين” عندما أصبحوا قتلة للأبرياء في سوريا الجريحة، وتابعوا كيف تحوّل فنان قنوات البترودرلار في لبنان إلى منتفضين في وجه الظلم والفساد مناصري الانتفاضة اللبنانية ،وهم في نفس الوقت يبجّلون ابن سلمان المنشار السفاح وعيال زايد أعداء الربيع والأمة . وهولاء نماذج صغيرة أفجعت متابعيها وخدعت وتخادع إلى اليوم .
بعد طلَّ الربيع العربي ، ساند كثير من هؤلاء الحاكم المستبد ، حتى إذا سقط أسقطوا نصرتهم . وكتب الأحرار لوائح سوداء بأسماء هؤلاء ، ثم ما لبث الحر الغرُّ أن نسي وقفتهم المخزية مع الاستبداد بخداعهم المتجدّد الذي يتنفّس بكل هواء غالب ، ومنهم من أيقظته نسائم الربيع فانتبه لمعنى الحرية الحق ومعنى الفن الحقيق .
الفنانون المخادعون لن يذكر التاريخ فنّهم ؛ بل مواقفهم المخزيّة . يوضوعون في مزابل التاريخ ملأ ً لفراعنة العصر ، كقارون وهامان . يحشرون يوم القيامة مسخاً …
الفن هو الموقف . موقف متجلٍ بحلل الجمال وقوالب الإبداع الفنية . موقف بهوية تستند إلى القيم العظيمة التي فيها صلاح الإنسانية .الفن المبدأ والإبداع لاجله . أما الخداع فحرفة المرتزقة .
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى