بقلم : عبدالمجيد عصر المجالي*
أعرف أنها محطة محروقات تحمل اسمها ليس إلاّ، لكنني لا أدري لِمَ كان قلبي ينتفض حين كنت أركب باص ( الزرقاء عمان)،وأسمع ( الكنترول) يسأل عند الاقتراب منها : ” مين نازل ع فلسطين” ؟!
كنت أصرخ في سري :
أنا.. لو أنها تسمح، لو أنها تفتح، لو أنها هي، فلسطين الحقيقية التي حفرنا اسمها على أدراج مدارسنا، ورسمناها حباً وكرامة في كراريسنا، فلسطين التي بيعت فما باعت، وحُوصرت فما جاعت، وهَمَّ بها الاستسلام مراراً فما أطاعت !
أنا نازل ع فلسطين، ففي نابلس كان لأبي موطء قلب، وفي الخليل رسمت دماء جدي خارطة العودة كي لا نحيد عن الدرب، لا ريب أن الشاي في رام الله مبارك كحليب الأمهات، وأن القيلولة في طولكرم مُشبعة كدموعهن، وأن ساعة الغروب في غزّة أكثر ضياءً من أبراج الإنارة في البلدان التي لم تخرج من الخداج، وأن الكرامة في القدس مُعمّرة جداً وجداً، لكنها لا تشيخ !
كنت أصرخ في سري :
أنا نازل ع فلسطين، أريد أن أرى الحياة في هيئتها الأولى حين تشكّلت في أريحا، وأن أقرأ درس الحق الأول المكتوب على جبين جنين، وأن أقبّل رفات الشهداء الذين ارتقوا في مذبحة قلقيلية عام ١٩٥٦ ، سأحفر اسمي واسم طوباس على واحدة من أشجارها العتيقة مثلما يليق بعاشقين، و في تراب سلفيت سأدُسُ دعاء أمي الأثير ” يا رب سخطك وغضبك على إلي مسويين حالهم شعبك” لعلّه يثمر عما قريب، وفي بيت لحم سأطبع قُبلة في كل مكان شرّفه المسيح، فلحم أكتاف صمودنا من بيتها وخيرها !
تغيّر اسم محطة المحروقات، لكن (كنترولية الباصات) لم يغيّروا التسميّة حتى اليوم، فكلّما اقترب الباص منها سألوا : “مين نازل ع فلسطين”؟، ذلك أن أي شيء يرتبط فيها لا يُمحى أبداً، فهي حربنا وسلامنا، يقظتنا ومنامنا، ومسطرتنا التي من خلالها نقيس ما يجري في العالم، فنحب أو نكره، نتعاطف أو ندير ظهورنا !
سلامٌ عليك، يا أُمنا التي ستثبّتنا في بطنها أكثر، يوم تضع كل ذات حملٍ حملها !
- ناشط سياسي أردني.
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى