بقلم :باسم سكجها
أكتب عن الأستاذ ليث الشبيلات بضمير مرتاح، فلم يمرّ بأزمة مهما كبرت أو صغرت إلاّ وكنتُ أناصره، ولكنّني كنتُ اصارحه بالكتابة حين أجد ما أعارضه في تصرّفاته، ولعلّ هذا ما خلق بيننا مودّة، واحتراماً متبادلاً، ولم يخل الأمر من كثير من المناوشات الضرورية، وهذا ما أظنّه، وبعض الظنّ إثم!
ولا أنسى أنّه حين سُجن في يوم ، وضعت عنواناً عريضاً في الصفحة الأولى من “آخر خبر” يقول:” العفو عند المقدرة”، وتحته مقالة ذيّلتها باسمي تلتمس من الراحل الحسين أن يعفو عنه، وقد تكون الصدفة هي التي أوصلت إلى المشهد الذي يعرفه كلّ الناس ، حين زار الحسين السجن وأطلق سراح أبي فرحان، بعد مقالتي بأيام!
ولعلّ آخر مقالة كتبتها وتتعلّق به كانت في “عمون” قبل سنتين، وفيها بالنص: ليث لا يستأهل التعامل إلاّ بالاحترام، لا كما حصل الليلة، وكما حصل في مخبز صلاح الدين ذات مساء، ولا كما ووجه باشتباك مفتعل في “ساكب”قبل سنوات، وفي الحقيقة فإنّ ثقافتنا الحوارية باتت بلا هويّة، ويستطيع أشخاص قليلون في قاعة ما أن يُخرّبوا ما يمكن أن يكون حواراً حقيقياً.
تلك كانت مقدّمة ضرورية، حتى أكتب ما أكتب الآن، فالواجب يقتضي أن نُصارح الرجل، الآن، بأنّه فقد الاتزان،ورجاحة البوصلة الشخصية والوطنية، إلى درجة مَرَضية، ولا دليل أكثر من أنّه وفي غير بثّ مباشر يجعل الشعب، الذي يُفترض أنّه يعمل من أجله، جاهلاً متآمراً غير قابل للتصويب!
وأعود، أيضاً، إلى الأرشيف، لأكتشف أنّني كتبت عنه بأنّ الأنا عنده تتفوّق على النحن، فهو أكبر من كلّ شيئ، وهكذا فليس جديداً أن يُكرّر كلمة ليث في كلّ كلمة يقولها، وهو لم يوفّر أحداً، لا قوميين ولا إسلاميين ولا حركة إسلامية ولا يساريين ولا رجال دولة، وفي يوم ظنّ وقال إنّه قادر على حُكم دولة شقيقة إذا قُدّر له ذلك.
من الأرشيف، أنّ الزميل الاستاذ عودة عودة، جاءني بمقابلة مع الشيخ يعقوب قرّش، عضو مجلس النواب الجديد (١٩٩٠)، وضِمن كلامه أنّه كان شخصية مهمّة في فلسطين المحتلة، وأنّه استطاع تدمير خلايا الإخوان المسلمين هناك، لأنّ الكوادر صارت تنحاز له لا لهم، وكأيّ صحافي محترف، وضعت عنواناً يقول، قرّش: “حطّمت خلايا الإخوان المسلمين”، مع لوحة كاريكاتورية رسمها عماد حجاج، وكالعادة فقد نشرت إعلاناً ترويجياً في “الرأي” يحمل صورة الصفحة الأولى!
كان ذلك في صحيفة “آخر خبر الأسبوعية، ولم يكد الصباح يأتي، والصحيفة قيد التوزيع، قامت الدنيا ولم تقعد، فقد استنفر الاستاذ ليث قُوى الدولة لمنع التوزيع، وحين اتّصل بي شخصياً، قال: هذه فتنة وطنية! فأجبته بأنّ الرجل مسؤول عن كلامه، ويستطيع الردّ والتراجع، ولكنّني في حقيقة الأمر اضطررت لوقف التوزيع بعد قليل!
فقد اتّصل بي مدير المطبوعات المرحوم عيسى الجهماني، وقال إنّ العدد غير مجاز، مع أنّه كان في اليوم السابق ختم ووقّع عليه بنفسه، فأجبته بذلك، وبعد دقائق اتّصل بي طويل العمر الأستاذ ابراهيم عز الدين وزير الإعلام، قائلاً: مشاني أبو ابراهيم اسحب العدد، ليث شبيلات استنفر الدنيا، ولك عندي أن تدخل الأعداد المقبلة بدون تدخّل!
وهذا ما حصل، فقد سحبت العدد، وأعدت الطبعة وغيّرت العنوان، وظنّ الاستاذ ليث أنّه فوق حرية التعبير، وباستخدام أدوات الدولة، لسبب صوته العالي، وقادر على استنفار الناس حتّى لو كان على خطأ، ولكنّ الأيام تظلّ أطول من أهلها، فقد أتاني صديقي المرحوم الأستاذ بدر عبد الحق، بعدها بسنة، بحوار أجراه مع ليث شبيلات، سينشر في مجلة لندنية، وسمح لي بالنشر، لأنّه اتفق مع أبي فرحان على توزيعه على عدد من الصحف.
كان الأستاذ ليث يتحدّث عن نفسه، كالعادة، وحين وصل إلى تجربته في الجامعة الأميركية في بيروت، قال: أصلاً أنا مبرمج على الطريقة الأميركية، وبكلّ “براءة” نشرت النص مع عنوان:” ليث الشبيلات: أنا مبرمج على الطريقة الأميركية”، ولأنّ المؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين، ظهر العدد دون إعلان ووزّع على نطاق واسع، وجُنّ جنون أبي فرحان وحاول، وحاول، على أنّ السيف سبق العذل!
في حقيقة الأمر، وهذا تحليل يستند إلى خبرة تاريخية كتبت بعض بعضها، فالرجل يظنّ أنّه أكبر من أيّ أحد تحت السماء، وأنّ المرآة التي يتطلّع إليها كلّ صباح وظهيرة ومساء مضخّمة لا تستوعبها الأرض، وقد بلغت به الأمور في ما يسميّه الآن آخر العمر مبلغها، حيث إنّ الشعب جاهل وجاحد، لأنّه يفهمه، ويوجّه رسالة إلى لا أحد سواه هو، ليث شبيلات، مفادها: أنا هنا، وليس هنا غيري، ليذكّرنا بلويس الرابع عشر، حتى كدنا نقول: لويث الرابع عشر، وللحديث بقية!
* كاتب أردني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)