بقلم : حسن مدبولي
من المعلوم، أن لكل أمة نخبة وصفوة من المفكّرين وقادة الرأى الذين أنعم الله عليهم بالمقدرة الذهنية، والعقلية التى تمكّنهم من قيادة شعوبهم ،وتطوير مقدّراتها، ودفعها إلى الأمام، مع حمايتها فى ذات الوقت ومنعها من الذوبان والتلاشى ، والعمل على تصويب بوصلتها باستمرار ، وهؤلاء المفكّرون يستخدمون العديد من الأدوات، مثل :الكتابة بكل روافدها ،أو الحضور النشط فى الميديا ووسائل التواصل الحديثة ، وكذلك عرض الأفكار و والمعلومات من خلال الندوات والمساجلات والمناقشات العلنية والحوارات بأنواعها كافة،لكن بالطبع ليس كل من مارس أو امتلك تلك الأدوات، يعدّ مفكّرا حرا أو صاحب رسالة، إنما البعض قد يكون مجرّد كاتب روتينى ، أو إعلامى محدود الموهبة، مهما كانت درجة انتشاره وصيته المصطنع ، أو صحفى متواضع المستوى ،لا يمكنه كتابة خمسة أسطر متّسقة بسهولة ،أو أنه سياسي إنتهازي متلوّن يبحث عن دور وظيفى ينتفع منه ، فيستخدم قدراته الفكرية لجذب انتباه أصحاب السلطان ؟ أو مجرّد مثقف شاذ ،مرتد، مريض نفسى خرف، باع نفسه لمن أجزلوا له العطاء له، دونما حساب لمبدأ وطنى اوقيمة عليا أو جانب إنسانى أخلاقى ؟
ومن المهم هنا، التأكيد على أنه لاتوجد أدنى مشكلة فى التفرقة بين كل هذه النماذج ، فيمكن لأى مهتم لديه الحد الأدنى من الوعي، أن يجرى تقييما دقيقا لأي منهم ،من خلال القراءة الواعية البسيطة للمخرجات والمواقف العامة -إن وجدت – كالكتب التى اصدروها فى مجال ما، أو المحتوى التى تدور حوله المقالات والدراسات الأخرى المنشورة لهم، بالإضافة إلى مراجعة الجوانب الفكرية، والمواقف الوطنية والسياسية والقضايا الصعبة والحسّاسة التى لها مردود وعائد إيجابى وأهمية مجتمعية ووطنية وشعبية وثقافية وتراثية، والتى كان لهم دور بارز فيها،ومن وجهة نظرى،فإننا لكى نحكم على شخص ما فى مجتمعاتنا بأنه يستحق لقب المفكّر الوطنى التنويرى الحر ، فإنه ينبغى علينا بحث إطروحاته و أدبياته ومواقفه المتنوّعة،وإجاباتها على بعض المعايير الأساسية البديهية التالية :-
1 -موقفه ودفاعه عن قدسية بلاده بدون أغراض ،وهل هو تواطأ أو صمت على حالات التفريط في ذرّة من تراب أرض وطنه ؟ أم أنّه تصدّى ووقف بقوة وتحمّل تبعات موقفه ؟
2-موقفه من الحريات العامة ، فهل تجاهل حرّيات أبناء شعبه، واختصر الحرية فى مدى السماح لابتكاراته( الفذة) هو ومن يماثلونه، فى الانتشار والمباركة الرسمية ؟
3-موقفه من الدفاع عن كرامة وحقوق مواطنيه وأبناء شعبه المهدرة عيانا بيانا فى الكثير من المواضع ؟
4-موقفه من الدفاع عن الهوية والثقافة الوطنية، ومن بينها اللغة القومية الجامعة، فهل ساندها أم إنه اعتبرها لغة محتل فاتح مجرم ؟
5- دفاعه عن المقدّسات والثوابت الدينية للمجتمع ، خاصة عند تعرّضها للإساءة والتدنيس من الأجنبى المجرم، أو من بعض العنصريين بالداخل ؟
6-الدفاع عن زملائه من المفكّرين المقهورين المظلومين المناضلين من أجل الحرية، وإن خالفوه فى الفكر والتوجّه ؟
7-الدفاع البديهى عن حق المواطنين فى الحياة ،وتوفير سبل العيش لهم ،ودفعهم دفعا للنضال الجماعى ضد سارقيهم ؟
8-المساهمة فى تنوير العقول، والقضاء على الجهل دون المساس أو التقليل من شأن القيم العامة مع ربط ذلك بالمواقف من القضايا السلطوية ؟
9- النضال ضد عصابات الفساد والاستغلال التى تغتصب السلطة وتزوّر إرادة الجماهير ؟
10- مناصرة حقوق الشعوب المقهورة فى كل أنحاء العالم، ومنها مناصرة الشعب الفلسطينى ؟
11-رفض العنصرية والاضطهاد من أى طرف أو فئة من فئات وشرائح وطوائف المجتمع ضد الشركاء الآخرين، دون الوقوع فى شرك الانحياز أو التواطؤ ؟
12- التصدْي لقيم العري والمتاجرة بالمرأة، تحت عناوين كاذبة، مثل: التحرّر والفنون والعمل؟
13- دعم قيم السماحة والسلام والوحدة داخليا واقليميا، والعمل على لمّ شمل التوجّهات الشعبية المتناحرة، لكى تتفرّغ لمواجهة الأعداء التقليديين لمصر والعرب، ومحاسبة أنصار الفساد السياسى والاقتصادي.
14- النقد الهادف للتراث بغرض تطويره، وإزالة ماعلق به من تشوّهات حفاظا عليه، باعتباره أحد ثوابت الهوية الوطنية والقومية، ودون استهدافه بغرض تدميره أو التخلّص منه، أو تشويهه والإساءة إليه، ثم الافتخار علنا بتدنيسه فى بلاد تتصيّد للمسلمين أي شاردة ؟
فإذا بحثت بين أوراق الراحل سيد القمني ،وتابعت سجالاته وندواته، ودرست مفرداته حرفا حرفا ، فلن تجد من بينها ولو بندا واحدا يتعاطى إيجابيا مع ما أوردناه، بل على العكس ستجده مؤيّدا شرسا لكل المعتدين على المقدّس والثابت الدينى المجمع عليه وطنيا، كما ستجده معاديا للقيم والأخلاق العامة، وداعيا للقيم التى لاعلاقة لها بمجتمعاتنا ، كما ستجده متحالفا مع السلطات القمعية، وقابلا لهداياها وعطاياها، ولن تجد له موقفا واحدا يؤيّد فيه حقوق الشعب الفلسطينى،كما لن تجد له موقفا واضحا من القهر الاقتصادي وتشريد العمال، ولن تجد أى موقف وطنى ضد التفريط فى الجزر المصرية ، ولا موقف واحد فيه مطالبة بإطلاق سراح اى صاحب رأى، ولا موقف ضد إهدار ثورة شعب بأكمله،؟
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى