عدنان الروسان*
في معركة الكرامة،وقف الجيش الأردني وقفة، لم يشهد التاريخ العربي مثيلا لها في حروبه مع “اسرائيل”، ينهزم الجيش الإسرائيلي شرّ هزيمة،ويغنم الجيش الأردني دبابات اسرائيلية،ويأسر جنودا و يوقع قتلى اسرائيليين،ويقف المجتمع الإسرائيلي بذهول أمام هزيمة مدوّية،وترتفع معنويات العرب كلهم ،خاصة وأن المعركة جاءت بعد هزيمة للجيوش العربية كلها امام الجيش الإسرائيلي،ويسجّل الجيش الأردني انتصارا عظيما حقيقيا، يصفّق له العالم العربي بأسره.
عملاء الموساد ،يدخلون إلى عمّان، ويحاولون اغتيال خالد مشعل في وسط العاصمة،ويلقي المواطنون الأردنيون القبض على عملاء الموساد،ويقف الملك حسين موقفا فريدا،ينذر”إسرائيل”،وبقوة ، حياة خالد مشعل ،أو اتفاقية السلام مع “إسرائيل”،وتذعن “إسرائيل “،وتدفع ثمنا باهظا إطلاق أسرى فلسطينيين لحماس ،وعلى رأسهم شيخ المجاهدين الشيخ أحمد ياسين، و يحصل خالد مشعل على الترياق ،ويشفى من محاولة الإغتيال بالسم الإسرائيلي،و يسجّل الأردن موقفا وطنيا قوميا فلسطينيا نادرا..
القوات المسلحة الأردنيّة، حاربت في اللطرون و باب الواد و ساحات المسجد الأقصى،ووقف عبدالله التل ،وحابس المجالي ،ومحمود الروسان،ومحمود حمّاد، وعشرات الضباط الأردنيين،مسجّلين مواقف بطولية مبهرة،و بعضهم ما يزال على قيد الحياة ،ومئات الجنود الأردنيين،خاضوا معارك مشرّف
في كل أنحاء فلسطين، وفي كل حروب فلسطين :عبد اللطيف أبو قورة، و ممدوح الصرايرة ،ومحمد الحنيطي ،وراضي العبدالله،ومحمد ضيف الله الهباهبة،ومن ثم،موفق بدر السلطي،وفراس العجلوني، و بعد ذلك نايف حواتمة،محمود الروسان،و أبو الحكم،وسعد صايل …
لقدقدّمت القوات المسلحة الأردنية العظيمة،وأبناء الشعب الأردني أرواحا ودماء مع إخوانهم الفلسطينيين،دون منّة ولا أذى ،و ما يزالون،وهذه المواقف الوطنية، نابعة من عقيدة الأردنيين الدينية ،وشعورهم القومي ،وحسّهم الأخلاقي ،الذي لا يقبل أن يرى الإخوة في فلسطين يتألّمون،ون أن يشاركهم ألمهم وأملهم في الدفاع ومعارك التحرير.
غير أننا نجد أن الموقف الرسمي الأردني اليوم ،متوار عن الأنظار ،وبعيد عن نظرية البروباغندا و البروباغندا المضادة ،فإن انحسار الموقف الرسمي الأردني اليوم ،يكاد يلامس العدم الكامل، فحرب حماس-إسرائيل الأخيرة،والتي نتج عنها بصورة ما انتصار حاسم للمقاومة الفلسطينية،وهزيمة للإسرائيليين لأوّل مرّة،ربّما على أيدي حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية،وعلى رأسها حركة حماس ،أظهرت أن الأردن لم يعد رقما في الجغرافيا السياسية،ونحن هنا نتحدّث عن الوقائع بعيدا عن المشادات والاصطفافات، التي لا معنى لها ،فحينما يكون الحديث عن الوطن، يجب أن ننسى جميعا شهوة المماحكة والمزاودة،وننظر الى الأمر بمنتهى الجدية .
في الخطاب الرسمي العلني لحماس،فإن الأردن غير موجودة،ولا نستطيع أن نلومهم ،فالإعلام الرسمي الأردني لا يكفّ عن التذكير كل دقيقة ،أن الموقف الأردني هو مع السلطة الوطنية الفلسطينية ،ومع أبو مازن ،و لا يذكر حماس و كأنها غير موجودة بالمطلق .
في الخطاب الرسمي الأمريكي ، الرئيس بايدن يتّصل بمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية،ويتصل بالرئيس المصري، بل و يشكره على مواقفه ومساعدته في التهدئة بين حماس و اسرائيل، و يتصل مع أمير قطر ولا يتّصل بالملك عبدالله الثاني، بل وبعد إلحاح شديد، كما تقول تسريبات،تحدّثت نائبة الرئيس مع الملك،وكان الأولى أن لا نتحدّث معها ،فيوما بعد يوم، يتقزّم الدور الأردني أمام أمريكا.
في الإقليم ،الحراك السياسي و الدبلوماسي، محصور بين إيران و قطر و مصر و تركيا وحركة حماس خلف الكواليس ،بينما الأردن وكأنه غير موجود!
على الصعيد الإعلامي،شبكة (الجزيرة) القطرية،تخصّص أربع قنوات، هي الأكثر انتشارا في العالم العربي و العالم، وعلى مدار الساعة، لتغطيّة أنباء فلسطين وغزّة و الحرب،وتفاصيل المعارك،وإيران تخصّص الميادين، والعالم،وقنوات أخرى ،لتغطية كل تفاصيل القضية الفلسطينية ويخطب المرشد الإيراني خامنئي ،ويناصر حماس،المقاومة الفلسطينية،و يعد بمواصلة الدعم المالي و العسكري، بينما التلفزيون الأردني بالكاد ،يبث بعض الأخبار ،و يعود إلى برامج الطبخ و مسلسله البدوي .
من الذي يرسم الخطوط العريضة والدقيقة للسياسة الخارجية الأردنية،وعلى أي أسس يتم رسم تلك الخطوط،هل وزير خارجيتنا يستحق الموقع الذي يشغله،نحن أصبحنا نكرات في الموضوع الفلسطيني، ثم نغضب،لأن حماس لم تشكرنا ،و شكرت من غيرنا ،والأمريكيون شكروا كل الناس ، إلاّ نحن ،والفلسطينيون في المسجد الأقصى شتمونا بصوت عال ، ببساطة حصل كل ذلك، لأننا لم نحضر العرس ،وذهبنا ( نلم النقوط )،بعد أن انفض السامر،وانتهى العرس…نحن مع الكل ،ومع لا أحد ، و قد قال رئيس الوزراء في مجلس النواب :نحن مع عموم فلسطين،ولسنا مع فصيل ،هذا ليس كلام سياسة ، هذا تهريج سياسي لا قيمة له،وينمّ عن سذاجة سياسية مفرطة ،لماذا مزّقنا ورقة حماس التي نتباهى ليل نهار ،بأننا طردناها من الأردن، و هل حماس مهتمة بنا، أو تأثّرت بطردنا لها..
هاهي حماس رقما صعبا، ويتسابق العالم على خطب ودّها، وتصنع الصواريخ،وتفرض نفسها بالقوة، و الأوروبيون يريدون التواصل معها ،والسيسي يتفاوض معها ،والأمريكيون يفتحون قنوات اتصال سرية مع حماس ،قادة حماس يستقبلون في الدوحة و طهران و أنقرة و بيروت، ويرفعون شارات النصر في كل فضائيات العالم، بعد أن اكتظ العالم بكل عواصمه بالمظاهرات المؤيّدة لحماس،وصواريخ المقاومة ، و ها نحن ،حتى لا يذكر أحد البتة المستشفى الميداني الذي ارسلته الدولة لغزة، و لا يستقبله أحد، و لا يحتفي به أحد، لأن العمل غير خالص لوجه الله، ولا لوجه الوطن،ولأن من يشيرون على صاحب القرار هواة لا يعرفون ( الخمسة من الطمسة )،كما قال أجدادنا زمن الكتاتيب و قد صح قولهم.
هذا نتاج التحالفات الخاطئة ،و هذه نتائج السياسات غير المدروسة بعناية،وكان من المفترض أن يكون هناك مستشار أو اكثر للملك لشؤون السياسات ،ملمّ بالجغرافيا السياسية،وبالمجال الحيوي الأردني،و المتغيّرات الإستراتيجية التي طرأت على المنطقة، وإبداء النصح في تفاصيل التكتيك الإستراتيجي tactical strategies ،الذي يجب على الأردن أن يأخذه بعين الاعتبار، بدل العبط الاستراتيجي، الذي تقوم به الحكومة.
لقد خسرنا خسارة كبيرة في جولة حماس-إسرائيل الأخيرة ،وتضرّر الموقف الأردني كثيرا،وهو بحاجة ماسّة و بسرعة إلى إعادة ترميم حقيقية ،تعتمد على عمل سياسي و دبلوماسي حقيقي، بعيدا عن المزاودة و النفاق و التزلّف، فقد أخفق كل طاقم المستشارين في الديوان والرئاسة في تقديم العون للملك و للحكومة ،وحصدنا من موسم الحصاد الفلسطيني الأخير هشيما تذروه الرياح.
* كاتب أردني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)