كلمات حق في الذكرى العاشرة للثورة السورية

د. وليد سعيد الحاج*
1- لا شيء من المشهد الحالي ،أو من نتائج الثورة ومآلاتها، يمكن أن يكون حجّة على مشروعيتها وأحقيتها. لا شيء على الإطلاق ،يمكن أن يشكّك في مظلمة الشعب السوري الشقيق (قبل الثورة وخلالها) ومعاناته، وبالتالي مشروعية حراكه واحتجاجه وثورته.لا داعي للتذاكي، ولا فائدة من ادّعاء الحكمة بأثر رجعي.
2- لا شيء يمكن أن يبرّر الظلم والاستبداد والفساد، لا أيديولوجيا ولا أي سياسة خارجية. مواجهة العدو الصهيوني – بغض النظر حقيقية كانت أم مدّعاة، مستمرة كانت أم مؤقّتة – لا تبرّر لأي نظام إلغاء حقوق شعبه بالحرية والكرامة والعيش الكريم.ً”الممانعة”،وحقوق المواطن، ليسا شيئين متناقضين.
3- للمعارضة أخطاؤها وخطاياها بالتأكيد، وقد كتبتُ في ذلك أكثر من مرّة، لكن يبقى النظام هو المسؤول الأول عما آلت إليه الأوضاع من مقتلة كبيرة في الشعب، وتدمير للبلاد، وتدخّلات الخارجية … الخ.
يتحمّل النظام المسؤولية الأولى ،باعتباره صاحب القرار، ومن كان قادراً على منع تدهور الأوضاع، مسؤوليةً سياسية وأخلاقية وقانونية. فكيف وهو من قتل وهجّر وعذّب وقصف شعبه – جزءاً من شعبه لمن أراد – بشكل مباشر؟؟!!!.
4- كل أخطاء فصائل المعارضة،ليست مبرّرا لدعم النظام،أو الإقرار بسرديته. بعض الفصائل الفلسطينية مجرّد ديكور، وبعضها يتعامل مع الاحتلال الصهيوني، وبعضها الآخر صنيعة أنظمة عربية ومرتزقة لها ،أكثر مما هو فصيل مقاومة فلسطيني، وكثير منها خاض صراعات بينية واقتتالات داخلية، ورغم ذلك لا يشكّك أحد في عدالة القضية الفلسطينية…الشيء نفسه ينطبق على القضية السورية.
5- كل ما قالته الدول والقوى،التي دعمت الأسد في مواجهة شعبه (أو جزء منه) ،مجرّد ذرائع واهية. تدخّلوا لمصالحهم الضيقة المتوهّمة، ولو أرادوا حقيقةً لأجبروه على القيام بإصلاحات حقيقية، تجنّب بلده وشعبه ما حلّ به،وقد كانوا وما زالوا قادرين على ذلك.
6- في الاتجاه الآخر،كل الدول والأطراف الأخرى التي تدخّلت في القضية السورية،تدخّلت لمصالحها الخاصة.ثمة اختلافات بينية واضحة في سلوكها ونتائج تدخّلها،لكن الجميع تدخّل لمصلحته ابتداءً وختاماً.
7- كل من كان يستطيع المساهمة في إدامة سلمية الثورة ووصولها لمراميها ،ولو بعد حين، وبتضحيات بدت في حينها جسيمة (لكنها أقل بكثير من فاتورة اليوم)،ثم الدفع نحو التسليح والعسكرة ،إما مجرم ،أو جاهل، أو غبي، وجّهه غيره، وسلك طريقاً لا يعرف إلى أين يقود، أمّا اضطرار الأفراد،فلا يملك أحد أن يزاود على من دافع عن نفسه وبيته وأرضه وعرضه.
8- أكبر أخطاء الثورة/المعارضة برأيي ،عسكرة الثورة ،والرهان على الخارج. عسكرة الثورة، كانت مصلحة للأسد ،وقد عمل عليها ،وساهم بها عن قصد، ولئن كانت مشروعية الدفاع عن النفس لا نقاش فيها، إلا أن التسليح والعسكرة ،ساهما في الوصول للمآلات الحالية،وأظن أن الأمر كان واضحاً إلى حد ما منذ البداية.وأما الرهان على التدخّلات الخارجية، فقد كان خطأ مبكراً جداً من كثير من القوى السياسية،وقد تجاوز بعضُها مساحة الرهان إلى مربع الارتهان للخارج.
9- من أسخف ما يردده البعض اليوم – في جبهة النظام – “الانتصار” والمرادفات الشبيهة. البلاد مقسّمة ومحتلة، مئات آلاف الشهداء والجرحى،ملايين اللاجئين والنازحين، دمار مدن بالكامل، واقتصاد منهار، وفقدان للسيادة الوطنية، وغيرها الكثير، ثم يأتي من يفرح بما يعدُّه انتصاراً أتى بالطائرات الروسية.!
10- واجب الوقت اليوم – ودائماً – ،هو مراجعة السنوات الفائتة، واستخلاص دروسها القاسية جداً التي بّذِلت من دم وأرض وشعب ومستقبل.وللأسف الشديد، لا نرى -على قدر المتابعة المتواضعة – مؤشّرات على ذلك. تغلب على الذكرى العاطفة والوجدانيات (وهي منطقية ومتفهمة)، والتلاوم، وإلقاء المسؤولية على الآخرين، والشتائم، والتشكيك والتخوين، وخلافها. وهذه وحدها مصيبة إضافية.
11- وأما الذين يصنّفون تحرّكات الشعوب وثوراتها، حسب موقفهم من نظام كل بلد، فيؤيّدون الثورة هناك،ويصفونها بالمؤامرة هنا، ويعارضون نظاماً مستبداً هناك، ويهتفون لآخر مستبد هنا، فأولئك ليس هناك من كلام يعبّر عن حالتهم.!
كان الله في عون الشعب السوري.خرج وصرخ وثار وقدَّم وضحى وصبر. وكان وحده الضحية!

*كاتب فلسطيني

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)