دكتور أسامة أبو ارشيد*
ليس كل شيء مؤامرة، وليس كل أمر خدعة، وينبغي أن نفرّق بين حدث حقيقي، وبين كيفية توظيفه تكتيكياً واستراتيجياً، لتحقيق منافع شخصية أم عامة.
كثير من الناس، بمن فيهم أصدقاء على صفحتي، يصرّون على أن إصابة ترامب بفيروس كورونا، ونقله إلى المستشفى، مجرّد خدعة من أجل استدرار عطف الناخبين والفوز في الانتخابات الرئاسية الشهر القادم!
هذا كلام غير صحيح أبداً، وإمكانية إخفاء أمر بهذا الحجم شبه مستحيل في أمريكا، إن لم يكن مستحيلاً. هذه ليست عملية استخباراتية، هذه منافسة حزبية سياسية أمريكية داخلية. وأمريكا اليوم تقف على أعتاب أزمة دستورية حقيقية تتعلّق بإمكانية نقل السلطة،وقبل أن يصدر بعضنا مثل هذه الأحكام، أنصحهم بمراجعة سياق الأحداث.
الأسبوع الماضي ،عقد ترامب مؤتمراً صحفياً في حديقة “الورود”في البيت الأبيض،أعلن فيه ترشيح القاضية اليمينية، آمي كوني باريت، للمحكمة العليا، مكان الليبرالية المتوفّاة، روث بادر جينسبيرغ. حضر المؤتمر، حشد كبير من مسؤولي إدارة ترامب، وأعضاء في الكونغرس، وضيوف آخرون.. خلال المؤتمر، نقلت عدسات الكاميرات التلفزيونية أن أغلب الحضور لم يكونوا يرتدون الكمامات، ولم يكن هناك تباعد بين المقاعد. كانت النتيجة، حتى الآن :
إصابة كل من ترامب، زوجته ميلانيا، والسناتور عن ولاية يوتا، مايك لي، والسناتور عن ولاية كارولينا الشمالية، توم تيليس، ومستشارة ترامب السابقة، كيليان كونواي، ورئيس جامعة نوتردام، القس جون جينكيز.
كل هؤلاء كانوا حاضرين لذلك المؤتمر الصحفي، ولم يلتزموا بإجراءات السلامة والتباعد التي يحاربها ترامب بحماقة وصفاقة، حتى لا يبدو ضعيفاً (خصوصاً في ما يتعلق بوضع كمامة الوجه)، وبهدف إيهام الناخبين ،أن استمرار جائحة كورونا ما هي إلا “مؤامرة الدولة العميقة” ضده لإسقاطه في الانتخابات. هو، ومن حوله، من قالوا إن الأمر “مؤامرة” من “الدولة العميقة”. أما مساعدته، هوب هيكس، فلم تكن حاضرة لذلك المؤتمر، وبالتالي، فإن ترامب قد يكون هو من نقل المرض عبرها إلى بعض من حضر المؤتمر الصحفي، وقد يكون هو من عداها أصلاً.
الآن، هل تحاول حملة ترامب ،توظيف الأمر انتخابياً، عبر رفع نسبة التعاطف مع الرئيس؟ قطعاً. ولكن هذا تكتيك سياسي، وليس افتعالاً لمرض، لا يعرف بعد ما إذا كان ترامب سينجو منه أصلاً، أو حتى سيفيده انتخابياً، وهذا كلام يحتاج إلى تفصيل في سياق منفصل.
بمعنى آخر… ترامب بشر وليس إلهاً، وتجري عليه سنن الله ونواميسه كغيره من خلقه، اللهم إلا إذا كان هناك من يؤمن بغير ذلك!
*كاتب من الأردن .
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)