لمى خاطر
لم يحظَ اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية،الذي جرى في بيروت ورام الله، بمتابعة واحتفاء شعبي رغم أهميته، ورغم أنه يمثّل خطوة طال انتظارها،وكانت قيادة السلطة، تعطّل حدوثها باستمرار.
مردّ هذا التفاعل الباهت ،يعود إلى جملة من الأسباب، منها ما هو متعلّق بيأس الشارع من إمكانية حدوث تغيير ملموس ،وذي أثر في مجمل المشهد السياسي الفلسطيني، ومنها ما يتعلّق بوجود اهتمامات أخرى للجمهور الفلسطيني،يراها أولى بالمتابعة والمعالجة.
تقريبا،فإن المواقف السياسية لمختلف الفصائل معروفة ومفهومة،وبالتالي فإن إعادة سردها في لقاء طويل لا تغري بالمتابعة،رغم أن هناك خطابات كانت ضرورية، وأكّدت ثوابت مهمة،ووضّحت معنى القواسم المشتركة، دون اضطرار للتماهيمع المواقف الواطئة،أو مسايرتها.
عند تفكيك إشكالية ما يعرف بالانقسام ،نجد أن المشكلة، ليست في فصائل المقاومة، وأن أصل الانقسام ليس متعلّقا بها،ذلك أن افتراق المناهج،واختلافها رافق المشهد السياسي الفلسطيني ،منذ تشكّل الفصائل والتنظيمات،ولا يبدو منطقياً التوقّف كثيراً عند هذه الجزئية،وافتراض أنه ستأتي لحظة تعتنق فيها جميع أطياف الشعب الفلسطيني، رؤية سياسية واحدة.
لذلك يبقى التعويل الحقيقي ،على ما سيتم إنجازه فعلياً في سياق ما يعرف بترتيب البيت الفلسطيني، والمهم في هذا الترتيب،ليس الإجراءات الشكلية، التي يراها البعض محورية،كلون الحكومة ،وشكلها وحصص مكوّناتها،بل معالجة السلوك السياسي برمّته، وإنهاء آثاره، وخاصة في مجاليه الأمني والاجتماعي، ذلك أن التغيّر الفعلي،الذي حدث خلال أعوام (الانقسام)،طال بنية السلطة في الضفة وليس قوى المقاومة في غزة،وانبثق عن تلك البنية واقعاً غير سوي، أتاح لكثير من الكوارث الأمنية ،والوطنية، أن تجد موطئ قدم لها في المشهد الفلسطيني.
ومع ذلك، ثمة من يحاول حصر المشكلة الفلسطينية كلها في جزئية الانقسام، ويتمادى في تصوراته حوله، إلى درجة مطالبة ما يسمّيها (سلطة الأمر الواقع في غزة) ،بالتسليم للسلطة الفلسطينية –ورد هذا في خطاب الجبهة الديمقراطية في الاجتماع -،ومفهوم أن النتيجة المترتّبة على هذا ،هي تخلي الفلسطينيين عن ورقة القوة الأخيرة في أيديهم، أي ورقة المقاومة بما باتت تمثّله من ردع، وتراكمه من عتاد، ورقة المقاومة هذه، ما كانت لتصنعها قيادة السلطة وحركة فتح، وكل الفاعلين في المشهد السياسي الفلسطيني يعلمون ذلك، لكنهم يتجاهلونه.
من جانب آخر، حضر موضوع منظمة التحرير، كبند أساس في الخطابات، وكان يفضّل لو كان التركيز على ضرورة أن تصبح المنظمة ممثّلة لكل أطياف الفلسطينيين،تمثيلاً حقيقياً وليس شكليا، بدل أن ينْصَبّ الخطاب ،على تأكيد انفرادها بتمثيل الفلسطينيين، في نمط يقترب من (توثين) رمزيتها!
التحديات الحقيقية، التي تواجه إمكانيات المصالحة الفلسطينية معروفة، وتكاد تنحصر في حصار غزة وفرض نمط استسلامي في الضفة، بما يترتّب على ذلك ،من تبعات أمنية واجتماعية وتنظيمية معروفة، وبما يعنيه من إطلاق يدِ الاحتلال، سواء للتمادي في إرهابه، أو لتنفيذ مخططاته على الأرض، يضاف إلى ذلك التحدّي المتمثّل بالحاجة لاستنهاض روح المجابهة في الضفة،وسط ذلك البحر المتلاطم من سياسات الترويض المعمول بها منذ سنوات، إذ كيف ستكون هناك مقاومة شعبية فاعلة – على اعتبار أنها الخيار الذي يمثل تقاطعاً بين جميع الأطياف – ،في وقت تغيب فيه روح الإرادة المستعدة لتطبيق هذا الخيار؟!
لذلك نقول دائماً: إن على قيادة السلطة ،أن تقدّم كثيراً من دلائل التغيير العملية على الأرض، في سلوكها وسياساتها وخطابها، بين يدي كل الجهود الساعية لصياغة حالة الإجماع والتوحّد، ذلك أن سياساتها تلك ،مسّت الوعي ،وأثّرت فيه سلباً ،قبل أن تفرض تعقيداتها الميدانية المعروفة، التي أطاحت بمبادرات المقاومة ،وأنهكت جمهورها.
ورد في كلمة أكثر من فصيل فلسطيني، أن هذا ليس وقت التلاوم، وهذا نفَس جيد، إنّما لا يجوز السماح ،بأن يُستغل في التعمية على الأخطاء الكارثية السابقة،التي أضرّت بمشروع التحرر ،وميّعت ملامحه، فمراجعة المسارات والسياسات، أول خطوة ،قبل البناء على أسس سليمة من جديد.
ليس مطلوباً بطبيعة الحال،أن تذوب الفوارق المميّزة، لمنهج كل فصيل، إنّما لا بد من الكفّ عن كل سياسة تلحق الضرر بعموم الشعب، وليس فقط بأبناء ذلك الفصيل، وتؤثّر سلباً على مشروع التحرّر كله وليس فقط على مشروع الفصيل الخاص.
لا بد أن تظل هناك قاعدة للاحتكام، وأصل تقاس عليه السياسات وتُقيّم، ومعيار كل ذلك، ينبغي أن يكون ما يقرّبنا من التحرّر، أو يبعدنا عنه، وتالياً يمكن مناقشة شؤون الحكومة، وشكلها ،والانتخابات ومدى جدواها، أو الحاجة إليها.