شهدت “أروقة” الحركة الإسلامية في الأردن، خلال الأسبوعين الأخيرين، اجتماعات متواصلة ومكثّفة، شملت مشاركة أوسع شرائح قيادية، من جناحيها: التنظيمي (جماعة الإخوان المسلمين)، والسياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي)، وذلك لمناقشة مسألة المشاركة من عدمها في الانتخابات النيابية، التي ستعقد يوم الثلاثاء 10/11/2020م.
وعلى الرغم من أن جناحي الحركة الأسلامية، شكّلاً “اللجنة العليا للانتخابات النيابية”، قبل أكثر من عام، وأسندت رئاستها إلى الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي م. مراد العضايلة، وهو ما يعني أن الأجواء في الأوساط القيادية، كانت تتّجه نحو المشاركة في الانتخابات النيابية، فإن جدلية (المشاركة أو المقاطعة)، عادت إلى هذه الأوساط، واحتدم الجدل حولها مرّة أخرى.
ويصف أحد قيادات الحركة الإسلامية لــ “كواليس”، الأجواء داخل الحركة الإسلامية حالياً، بأنها شبيهة بالأجواء التي سادت عام 1997م، عندما قرّرت الحركة مقاطعة الانتخابات النيابية في ذلك الوقت، بعد أن قاد تيّار المقاطعة حينها، نائب المراقب العام للجماعة المهندس عماد أبو ديّة، ومعه ثلة من القيادات، أمثال: إرحيل غرايبة، ونبيل الكوفحي، وسالم الفلاحات، وجميل أبو بكر، وغيرهم، من الذين انفصلوا عن تيار الحمائم حينها، والذي كان ينتمون له. وقد تحالف أبو ديّة ومجموعته –حينذاك- مع “الصقور”، ونجحوا في الحصول على قرار بمقاطعة الانتخابات من مجلس الشورى.
وعلمت “كواليس”، أن النقاشات والحوارات التي تمّت، بلورت اتّجاهيين أساسيين:
1-اتّجاه المقاطعة: وهو الذي يؤكّد أصحابه أنه الأرجح حتى اللحظة.
ويقود هذا الاتّجاه، تيار “الصقور”، الذي قدّم ورقة كتبها د.سائد الضمور “عضو المكتب التنفيذي”، وهو من المستقلين المحسوبين عليهم.
2-اتّجاه المشاركة: وهو الذي يتبنّاه تحالف تياري (الحمائم والوسط)، وهو له ثقله، خصوصاً وأنه يحظى بدعم وإسناد من المراقب العام للجماعة م.عبد الحميد ذنيبات، ونائبه محمد خليل عقل.
مبرّرات المتبنّين للمقاطعة:
يستند الداعون إلى المقاطعة إلى المبرّرات التالية:
1-افتقار النظام الانتخابي إلى العدالة، وانعكاساته السلبية على المكوّنات الاجتماعية في البلاد، من حيث تعميق الشروخ بين المشاركين في القوائم، عبر إثارة النزعات الأنانية والعصبية والجهوية، وإصرار النظام السياسي على تطبيق النظام الانتخابي الحالي، وعدم التجاوب مع المطالب الواسعة بتغييره.
2-هناك حالة إحباط عامة، تسود الرأي العام الأردني، والرأي العام داخل الحركة الإسلامية، بسبب جائحة “كورونا”، وما خلّفته من سلبيات اجتماعية واقتصادية، وبسبب ممارسات النظام في القمع والاستبداد، وخصوصا ما وقع لــ “نقابة المعلّمين”، وهو ما أوصل الرأي العام إلى قناعة باستحالة التغيير والإصلاح، من خلال بوّابة البرلمان. وبالتالي فمن المتوقّع أن تسجّل هذه الانتخابات، أدنى نسبة من المشاركة، في تاريخ الانتخابات النيابية. وعليه، فإن الحركة الإسلامية ينبغي عليها الانسجام مع “نبض” المجتمع الأردني من ناحية، وتفادي “المغامرة” بالمشاركة في ظلّ إجحام الشارع الأردني عن المشاركة، وهو الذي يشكّل جمهور الحركة الإسلامية جزءا لا يتجزّء منه.
3-إن “الانتخابات النيابية”، لا تأتي في سياق إيمان النظام السياسي بالديمقراطية، بل هي غطاء للممارسات العرفية والإقتصائية والاستبدادية، التي تتزايد بصورة كبيرة، خصوصاَ بعد جائحة “كورونا”، وصدور قانون “أمر الدفاع”، الذي تم استغلاله للبطش والقمع وإرهاب المعارضين أو المعترضيين. ويسرد أصحاب هذا الرأي، الأمثلة الآتية على ذلك:
أ.حلّ مجلس نقابة الأطباء بذرائع واهية، وتشكيل لجنة لإدارة النقابة، برئاسة وزير الصحة.
ب.اعتقال مجلس نقابة المعلّمين، وإغلاق مقرّ النقابة وفروعها لمدة عامين، وتشكيل لجة لإدارة النقابة من كبار موظفي وزارة التعليم.
ج.تأجيل انتخابات سبع نقابات، إلى ما بعد الانتخابات النيابية، بحجة “كورونا”، في الوقت الذي لا يتم تأجيل الانتخابات النيابية نفسها، والتي يمكن أن يكون لها تداعيات ومخاطر صحيّة، لا تقارن بالنسبة للانتخابات النقابية.
د.اعتقال المئات من المعلّمين، والحراكيين، والشخصيات السياسية، التي كان من أبرزها: النائب السابق سليم البطاينة، والنائب السابق د.أحمد عويدي العبادي، والأمين العام لحزب “الوحدة الشعبية” د.سعيد ذياب، والأستاذ الأكاديمي محمد تركي بني سلامة، والمهندس صبر العضايلة، ورسّام الكاريكاتير عماد الحجّاج، والصحفي وليد حسني.
هـ-عملية الترهيب التي تمارسها الأجهزة الرسمية، ضد مرشّحي الحركة الإسلامية أو المحتمل ترشّحهم، عبر استدعائهم وتهديدهم، فضلا عن التدخّل السافر لهذه الأجهزة، في تشكيل القوائم المضادة والمنافسة، للقوائم المحتمل ترشيحها من قِبَل الحركة الإسلامية.
في ضوء هذه النقاط، فإن الداعين للمقاطعة، يرون أن الحركة الإسلامية، لا ينبغي أن تُعطي “غطاء شرعيا” لكل الممارسات التي تتم، ولا بد من تجريد النظام من هذا الغطاء، وهو “الانتخابات النيابية”.
مبرّرات الداعمين للمشاركة:
يستند الداعمون للمشاركة، إلى الأسباب التالية:
1. أن الأصل في العمل السياسي، هو المشاركة، وأن المقاطعة هي “الاستثناء”، الذي لا ينبغي أن يتم اللجوء إليه، إلا في حالة الضرورة القصوى، التي تكون فيها سلبيات المشاركة أكبر وأكثر من إيجابيات المقاطعة.
2. إن وظيفة حزب جبهة العمل الإسلامي “الجناح السياسي للحركة الإسلامية”، هي ممارسة العمل السياسي. والبرلمان هو أهم وأكبر أداة سياسية، فإذا امتنع الحزب عن دخول البرلمان، فإنه يستنكف عن القيام بأهم دور له، وهو ما يطرح تساؤلا منطقيا، عن سبب وجود الحزب أصلا، إذا احجم عن المشاركة.
3. إن الممارسات العُرفية والقمعية، التي تمارسها السلطات التنفيذية، عبر أجهزتها، لن توقفها “المقاطعة”، بل يمكن أن تشجّع على زيادتها.
4. إن “المقاطعة” ستفتح المجال، لبروز وظهور شخصيات جديدة، هي في الغالب ستكون موالية للنظام، ومن صنف نواب “الألو”، الذي يتلقون التعليمات بالهاتف، من إحدى الجهات “السيادية”!
5. تجارب الحركة الإسلامية السابقة في المقاطعة، أثبتت أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وأن غيابها عن تلك المجالس، غيّب “الصوت المعارض” الحقيقي.
6. إن المقاطعة ستسهم في عملية عزل وإقصاء الحركة الإسلامية، وهي المنهجية التي يسير عليها النظام منذ نحو سبع سنوات على الأقل.
النتيجة
من المتوقّع أن تحسم الحركة الإسلامية، قرارها بالمشاركة أو المقاطعة، خلال مدة أقصاها مطلع الأسبوع القادم، وهو ما يعني أن الأيام القليلة القادمة، ستشهد “تدافعا” كبيرا، بين أصحاب الاتّجاهين، لكسب القرار لصالح أي منهما.
وقد علمت “كواليس”، أن تيار “الصقور”، عقد اجتماعا في منزل عضو مجلس شورى الحزب “عماد أبو حطب”، بضاحية “النزهة”، إحدى ضواحي العاصمة الأردنية (عمّان)، وهو ذات المنزل الذي عقد فيه التيار، اجتماعه قبل أكثر من عامين، ورشّح خلاله المهندس مراد العضايلة لمنصب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي.
وفي الاجتماع الجديد المذكور، اتّخذ المشاركون فيه، قرارا بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة. وتم ذلك بحضور أقطاب التيار: م. مراد العضايلة، أحمد الزرقان، د. غازي الدويك، “منسّق التيار”، د. عبد المحس العزّام.
وفي الوقت الذي أبدى، أحد “الصقور” لـــ “كواليس”، تفاؤله بأن قرار الحركة الإسلامية، سيكون هو “المقاطعة”، وأن الأرجحية لهم، فإن مصادر مقرّبة من تحالف “الحمائم والوسط”، تشير إل أنه من المبكّر الحديث عن “أرجحية”، لأي من الاتّجاهين، وأن الثمان والأربعين ساعة القادمة، ستكون “حاسمة” لجهة القرار بالمشاركة أو المقاطعة.
من جهتها، فإن السلطة التنفيذية، تراقب باهتمام ممزوج بالقلق، قرار الحركة الإسلامية، لأن صدور قرار بــ “المقاطعة”، يعني توجيه “ضربة” قاسية للانتخابات النيابية المقبلة، التي ستعاني أصلا من “استنكاف” واسع من المجتمع الأردني بمكوّناته كافة عن المشاركة.