مقالات

جدل الإسلاميين حول أردوغان

بقلم : بسام ناصر*
التصنيفات التقليدية المستهلكة قتلت الإسلاميين في العالم العربي، وهم في تفكيرهم ومواقفهم محكومون بها، ويعيشون في إطارها، ولا ينفكون عن رؤية ما يجري من خلالها..
وهذا واقع أغلبهم وهم يتعاملون مع الحالة التركية، إذ ما زال الكثيرون منهم يحاكم الرئيس التركي وكأنه من الإخوان المسلمين، أو أنه إسلامي بحسب تصوراتهم المُحددة لمن يكون كذلك أو لا يكون، وكذلك هي نظرتهم لحزب السعادة، المحسوب على خط الإخوان الفكري والدعوى..
حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه ولغاية الساعة لم يقدم نفسه يوما على أنه حزب إسلامي، والرئيس أردوغان عادة ما يقدم نفسه على أنه مسلم يقود دولة علمانية، وهو مؤمن بما أسماه (العلمانية المؤمنة) فهو يتحرك من خلالها، ويدير شؤون الدولة التركية وفق تصوراته لها، وقد أوضح ما الذي يريده بها في أكثر من مناسبة، ومنها نصيحته لجماعة الإخوان المسلمين أن يأخذوا بها، ويعملوا بمقتضاها، حينما زار مصر بعد ثورة يناير ٢٠١١، بأن تكون الدولة راعية وحامية لكل مكونات الشعب، على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية وتقف منهم جميعا على مسافة واحدة، وهو ما رفضه قادة الجماعة حينذاك، واعترضوا عليه، ونصحوه بأن يدخر نصائحه لبلده تركيا، فواقع مصر يختلف عن واقع تركيا وفق رؤيتهم.
حزب العدالة والتنمية حالة جديدة في المزج بين الدين والسياسة، رؤى واجتهادات تسعى لتوسيع دوائر التدين في المجتمع التركي، وإعادة الهوية الدينية التي استلبتها العلمانية المتوحشة، من خلال الهوامش التي يتيحها النظام إياه، مع إدراك حجم المعوقات الهائل الذي يعترض إنجاز ذلك وتحقيقه، ومنها شراسة قوى العلمانية المعارضة لذلك التوجه، والتي تتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة وصلبة، تقارب نصف الشعب التركي.
أردوغان زعيم تركي قوي وصاحب نفوذ، وله حضوره الفاعل والمؤثر، وهو منذ انشقاقه عن حزب السعادة (آخر الأحزاب التي أسسها أستاذه نجم الدين أربكان) وتأسيسه ـ ومن معه ـ لحزب العدالة والتنمية، برؤى وتوجهات وآليات تختلف عن تلك السائدة والمستقرة في أوساط حركات وأحزاب (الإسلام السياسي) دشن حالة خاصة به في العمل السياسي بخلفيته الإسلامية، تجاوز فيها معايير الإسلاميين وأطرهم وأدبياتهم، ما يعني أنه ليس معنيا بأن يقال عنه إسلامي أو غير إسلامي، وتنازل عن ذلك كله، مختطا طريقا آخر مغايرا حمل أستاذه أربكان حينذاك على اتهامه بالعمالة للصهيونية، والتخلي عن أصول ومبادئ العمل السياسي الإسلامي.
إصرار الإسلاميين العرب على التعامل مع الحالة التركية بنماذجهم التفسيرية التقليدية المستهلكة، يدفعهم ـ كما هي عادتهم ـ إلى تأجيج خلافاتهم البينية، والتشبث الموهوم باحتكار الحق، وادّعاء امتلاك معاييره التي ينبغي أن تكون حاكمة على كل الحالات والتجارب الأخرى، وهو ما يحرمهم من الإفادة من تجارب الآخرين، والتحلي بالتواضع للتعلم منها.

* كاتب وباحث في الفكر الإسلامي.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق