بقلم : نارت قاخون *
“كاريزما التّناقض” ومقامات “الخلود البشريّ”: نجوم لا “تأفُل”، ولكن “تتحوّل”
اعتزل والنّاس ترجو بقاءك.…اعتزل، وليحزن النّاس لاعتزالك لا عليك…
اعتزل، حتّى يقول النّاس: أتعتزل وأنت في قمّة عطائك؟!
فما معنى الحضور، والنّاس ترجو غيابك؟!
وما معنى البقاء، والنّاس بين حزين عليك، وشامتٍ بك؟!
ما معنى الوجود، والنّاس تقول: لو أنّه أراح واستراح؟!
أهي قسوة أن يقال “عجوز”، وأنت لم تتجاوز 37 عاماً من العمر؟!
أهذه أقدار الرّياضة وكرة القدم؟
لقد أعطى “رونالدو” كرةَ القدم الكثير، وأعطته أكثر، أكثر من 15 عاماً و”رونالدو” حدث كبير في عالم كرة القدم، وحديث أكبر في خصومات النّاس شرقاً وغرباً.
“رونالدو” نجم أسطوريّ، ليس لأنّ الجميع يحبّه، بل لأنّه يملك “كاريزما التّناقض”؛ فالمحبّون له متطرّفون، والكارهون له متطرّفون، لا يقيم “رونالدو” على أطراف الجدال والجدليّات، بل يقيم في بؤرتها ومركزها…
حاضرٌ إن لعب، وحاضرٌ إن غاب وخرج أو أُخرج…
“رونالدو” بطلٌ من أبطال “التّراجيديا والكوميديا” الإغريقيّة؛ بطل النّهايات الحزينة، كما كان بطل النّهايات السّعيدة.
لن يعتزل “رونالدو” كرة القدم، سيترك اللّعب، لن يقوم بأدوار “الّلاعبين الأبطال”، ولكنّه يملك الآن بطولة “المشهد”: لا يتحدّث أحد عن “البرتغال” إلّا وفي المركز “رونالدو”، قلتُ: رونالدو عبء على “البرتغال”، وهو كذلك الآن لاعباً، ولكنّه يحمل المنتخب من مقام فريق جيّد ومبدع، إلى فريق “نجم”، حتّى “راموش”؛ فهو “بديل رونالدو”، و”بيبي” رفيق رونالدو، وارتقاؤه للكرة برأسه ارتقاء “رونالديّ”، وسيُعرف مدرّب البرتغال “سانتوس” بأنّه المدرّب الّذي استبعد “رونالدو”، حتّى لو فازت “البرتغال” بكأس العالم، فلن يكون إلّا بسبب “حضور رونالدو”، أو “غيابه”، وفي الحالتين “رونالدو” حاضرٌ.
لم تفز “البرتغال” على “فرنسا” في نهائي يورو 2016 بهدف واحد، بل بهدفين: هدف سجّله “إيدر” في المرمى، وهدف سجّله “رونالدو” في مشهديّة النّهائيّ حين خرج مصاباً؛ فقال الشّامتون: فازت “البرتغال” لخروج “رونالدو”، أي بسببه مرّة أخرى!
نعم، النّجوميّة ليست لعباً وإبداعاً وحسب، “النّجوميّة” لمعان يطغى على العيون، “النّجوميّة” أن تكون “المشهد كلّه”، ألم ندرس في المدارس أنّ “الشّمس” نجم صغير، ولكنّه يطغى على غيره من النّجوم؛ لأنّه “قريب”؟!
لن يعتزل “رونالدو” كرة القدم، إنّه يملك أضعاف ما يملك بلديُّه “مورينيو”؛ ليكون نجماً في التّدريب، يستطيع أن يحطّم الأرقام القياسيّة كما فعل لسنوات، يستطيع أن يحقّق البطولات كما فعل لسنوات، وإن لم يفعل، فيستطيع أن يبقى حديث النّاس وشاغلهم، مالئ الدّنيا…
إن لم يعمل “رونالدو” في التّدريب، فيمكن أن يصير “محلّلاً” في قنوات bein، وحينها سيبدو “أبو تريكة” تلميذاً في مدرسة “كيف تجعل الحديث عن “غير كرة القدم” يطغى على كرة القدم”؟ لقد حوّل رونالدو “الشّامبو” إلى صراع إيديولوجيّ!
“رونالدو” و”ميسي” ثنائيّة أصبحت مؤسّسة في التّعبير اللّسانيّ، بالتّضادّ إن شئت فتكون كالحامض والحلو، أو كالأبيض والأسود، أو الماء والنّار، وبالتّوافق إن شئت فتكون كالزّيت والزّعتر؛ لا يحضر هذا إلّا بحضور ذاك.
“رونالدو” و”ميسي” في طور “الأفول”؛ أفول اللّاعب، ومن النّاس من لا يحبّ الآفلين، ومنهم من “يقدّس الآفلين” ويعبدهم!
رغم “نجوميّة رونالدو وميسي”، تظلّ ثقيلةً جدّاً أمنيات النّاس بفوز “الأرجنتين”، أو “البرتغال” بكأس العالم لا لشيء إلّا “جبران خواطر”، ومكافأة نهاية الخدمة لهما! ومع ذلك فيبدو أنّ “كرة القدم” أحنُّ على “ميسي”؛ فإن فازت “الأرجنتين” يقال لبقيّة الفريق: حملكم “ميسي”، وإن خسرت قيل لهم: خذلتم “ميسي”؛ فلـ”ميسي” نجوميّة الحدث وصناعته، ولـ”رونالدو” نجوميّة “الحديث” وشجونه.
“رونالدو” و”ميسي” نجوم أسطوريّة لن تأفُل، بل ستتحوّل، ولست أرجم بالغيب، فلستُ أرى “ميسي” مدرّباً نجماً، ولكن سينال حظّاً وافراً من “نجوميّة الذّاكرة”؛ والذّاكرة ليست مجرّد استذكار واستدعاء، بل هي خيال واختلاق.
أمّا “رونالدو” فمرشّح أن يبقى “نجم المشهد الكرويّ” طويلاً؛ مدرّباً أو محلّلاً أو مشاكساً؛ فهو موهوب في صناعة الأعداء كما الأصدقاء…
* أستاذ جامعي أردني.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).