بقلم : د.محمّد الفقيه*
من المؤسف أن الكثير من مواقع التواصل الإجتماعي ومجالسنا الخاصة مشغولة بالحديث عن جواز أو عدم جواز تهنئة المسيحيين بعيد مولد المسيح عليه السلام، فإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على حالة الإفلاس الفكري الذي نعيشه الآن، لقد أصبح دورنا للأسف مقتصرا على الترقّب وانتظار المناسبات لنحشد لها كل الروايات، ونستحضر كل الفتاوى القديمة والحديثة، لنصدر عليها الأحكام والفتاوى بالجواز أو عدم الجواز ، ونشعل المعارك الكلامية والحروب الجانبية بين المجيزين والمخالفين، فأصبحت هذه المناسبات ،مواسم خصبة لاستعراض المخزون الفقهي والتفسيري للنصوص الدينية، وموسم لفتح مستودعات الفتاوي الجاهزة؛ لإصدار الفتاوى المغلّفة بغلاف الدين وقذفها بوجه الخصوم والفرقاء ، فعندما يتم إقصاء كتاب الله عن أن يكون مرشدا وهاديا لنا ؛ تتفرّق بنا السبل ،وتتناقض الاجتهادات ،وتختلف الآراء، فلقد فصّل الله تعالى ما حرّم علينا في كتابه العزيز ، وبيّن لنا أن ما لم ينزل به دليل قطعي على التحريم ،فيبقى على أصله وهو الإباحة ، وما جعل الله علينا في الدين من حرج، ولكن للأسف كثيرون هم الذين يجنحون نحو التحريم والتضييق ، ظنا منهم أن توسيع دائرة التحريم، هي من زيادة التقوى والالتزام بالدين ، ولكن الحقيقة أن من حرّم ما أحل الله، هو تماما كمن أحل ما حرّم الله.
وخلاصة القول، ليس في كتاب الله تعالى كلمة أو آية تحرم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم ، بل على العكس من ذلك أمرنا الله تعالى أن نبرّ بأهل الكتاب ونقسط إليهم فقال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
ليس هذا فقط بل أجاز لنا الإسلام أن نتزوج منهم وأن ندخل بيوتهم ونأكل من طعامهم، فكيف يمكن أن نتصوّر أن زوجتك المسيحية أم أولادك ،يحرم عليك أن تقول لها كل عام وأنت بخير؟!!.
كيف يمكن أن تتصوْر أنه يحرم على أولادها، أن يقولوا لأمهم كل عام وأنت بخير يا أمي؟!!
فالحق عز وجل الذي أباح الزواج من المسيحية، والذي أجاز أكل طعامهم، ودخول بيوتهم ،يعلم أنهم يقولون إن عيسى ابن الله ،وهو يعلم أنهم يقولون إن الله ثالث ثلاثة ، ومع ذلك أباح لنا الزواج منهم ،وأن يكونوا أنسباء وأخوال لأبنائنا ،وأباح لنا أن ندخل بيوتهم ،ونأكل من طعامهم، ونشرب من شرابهم ، فكيف لمن أباح لنا كل هذا يحرم علينا أن نقول لهم كل عام وأنتم بخير ؟!
هذا من جانب، ومن جانب آخر فالمسلم الحق ينبغي أن يحب الخير للناس أجمعين ، وهو مطالب بذلك وحب الخير للآخرين ،جزء أساس من ديننا وعقيدتنا.
وأخيرا كل عام ومسيحيي العالم ، الذين لم يعتدوا علينا، ولم يظاهروا علينا، ولم يسيئوا إلينا بألف خير .
* أردني مهتم بالفكر الإسلامي.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).