بقلم : حسام الدلكي*
سأبدأ هذا المقال بمثال واقعي، حصل في عهد الرئيس الامريكي باراك إوباما،الذي أراد تضييق الخناق على رجل ثوري مشاكس حارب الاستعمار، وأصبح رئيس دولة افريقية مهمة هي دولة زمبابوي ( الرئيس الأسطورة روبيرت موغابي ) ،الذي أقام نظاما إشتراكيّا حرم الشركات الراسمالية مصّاصة الدماء من السيطرة على اقتصاد بلاده .. كان رجلا بحجم نيلسون مانديلا ورفيق نضال له ،فلم يتمكّنوا منه ، لذا أراد باراك اوباما مضايقته بإثارة مسالة المثلية الجنسية الممنوعة بأشد العقوبات في دولة زيمبابوي ،فما كان من الرئيس الأفريقي العجوز المشاكس ، إلاّ أن قال في مؤتمر صحفي وأمام كل محطات التلفزة: ياسيادة الرئيس الأمريكي: إذا كنت غاضبا على منع المثلية،وهي أصلا لا تكاد تذكر في بلدنا المحترم… إذا كنت صادقا أيهاالرئيس، فعليك أن تقرن القول بالفعل، لذلك أمام عدسات التلفزيون، كن صادقا مع نفسك ، وكن شجاعا مؤمنا بما تدعو إليه، وأطلب منك أن (توافق بأن أفعل بك )،وانا مستعد لذلك تضامنا مع المثليين الذين تدافع عنهم!!… نعم ، إذا كنت صادقا فتعال إلى زمبابوي لأفعل بك ؟! …تعال وأثبت صدق مواقفك أيّها المنافق ؟!…ذهل حينها الإعلام الأوروبي والأمريكي ،وكانت نكتة الموسم !!!!
لا نملك للأسف، مثل روبيرت موغابي الذي يفهم لعبة الغرب ، ويعلم أن الغرب لا يجب التعامل معه إلاّ بنديّة ( وليس بعقدة الخواجا ).
منذ أن رست قرعة المونديال على قطر، وهذه الأخيرة تتعرّض لأبشع أنواع التنمّر ، أوّلا، من ناحية اتّهامها بتقديم الرشاوي والتشكيك في حصولها على حق تنظيم المونديال ، وهذه تهمة وفرية نفتها لجنة المونديال ،ولن أتطرّق لها،ثم أثيرت قضية حقوق العمال الآسيويين، وانقلب المونديال إلى نقابة عمال، وليست مؤسّسة رياضية، ثم أثيرت مسألة تناول الخمور في الملاعب(وكأن أوروبا تسمح بها في الملاعب !!!)..وأخيرا القرف المسمّى حقوق المثليين !
سأحاول تفكيك( مسامير جحا) التي زرعها الأوربيون عموما، والألمان خصوصا، في وجه قطر، وهي الخمور والمثليّة ،وسأشرح الأخيرة باستفاضة .
من قلب أوروبا، التي أعيش فيها منذ أكثر من ثلاثين عاما عشتها بينهم، أقول: إن أكبر مشاكل مجتمعاتهم ، هي الكحول وإدمانه، وهو يكلّف الدولة مبالغ طائلة نتيجة الأمراض الناتجة عنه،و الإدمان والفشل الكلوي وأمراض المعدة والسرطانات والكبد ، عدا عن المشاكل الاجتماعية والأمنية والأخلاقيّة الناتجة عنه ،مثل: جرائم القتل والاغتصاب وحوادث السير القاتلة ،فمعظمها يقع تحت تاثير الكحول. وهناك دول أوروبية ( ليست مسلمة طبعا!)،جعلت من سعر الكحول خياليا صعب المنال لمنع تناوله، مثل السويد وغيرها من الدول الاسكندنافية، وقد زرت السويد، وشاهدت كيف يفتّش حرّاس الحدود المسافرين للتأكّد أنهم يحملون زجاجة خمر واحده فقط !!!
أمّا قضية الخمور في الملاعب، وتحديدا مشروب البيرة، فلا يوجد ملعب في أوروبا، يسمح لك بإدخال المشروبات الكحولية، وإنني شاهد على معارك طاحنة بالتراشق بزجاجات البيرة خلال كأس العالم في المانيا وذلك في المدينة القديمة(دوسلدورف).. فالأوربيون عدوانيون جدا تحت تاثير الكحول، خاصة في كرة القدم ، ولهم في ذلك أشد المعاناة، لذلك تجد يافطات منع الكحول في ملاعبهم عند كل المداخل للملاعب! أمّا فيما يتعلّق بدولة عربية محترمة كقطر، فيجدون منع الكحول على أساس ديني سببا للتنمّر على قطر ! فهم يمنعون ذلك في بلادهم ،ونحن من يقيم في أوروبا، ونعلم ذلك، لكنهم يريدون فرضه على قطر الدولة العربية فقط، من باب الاستعلاء وإعطاء العرب دروسا أخلاقية،علما أننا عرفنا أخلاقهم الحقيقية عندما استعمرونا في ليبيا والجزائر وسوريا وفلسطين، وشاهدنا حفلات الإعدامات في الميادين العامة، ونعرف معاييرهم المزدوجة في المسألة الأخلاقية، فمن يرفض احتلال أوكرانيا، هو نفسة من يدعم احتلال فلسطين وتدمير دولنا العربية !
والبلاء الآخر عندهم، هو المثلية الجنسية وتغوّلها في مجتمعاتهم ، ويعانون منها أشد المعاناة من نشرها أمراضا صحيّة سارية، مثل: الإيدز، وأمراض الكبد الوبائي، والأهم من كل ذلك تبعاتها الاجتماعية والأسريّة والأخلاقيّة ،وتفكيك الأسرة، وبالتالي المجتمع، ويمكنني من خلال عملي استطيع تقارير تفصيليّة ووافيّة حول ذلك.
ومن المؤسف، أن سبب دمارهم وخرابهم، يريدون تعميميه على قطر وغيرها من الدول التي ترفض قوانينها ونواميسها المتوارثة هذه البلاوي !
ما كان مرفوضا عندهم، بل ويجرّمه القانون، أصبح بين ليلة وضحاها مباحا ،ويجب على الآخرين قبوله وتعميمه ! في بداية قدومي إلى ألمانيا بداية التسعينيات، كانت المثلية يعاقب عليها القانون، وتحت ضغط جمعيات تدمير وتفتيت المجتمعات ( الجمعيات النسوية وجمعيات المثليين ومن خلفها الصهيونية العالمية التي لها مصلحة في تفتيت المجتمعات الأوروبية خاصه الألمان، لكي لا تقوم لهم قائمة بعد تجربتهم المريرة مع المانيا الهتلرية ! ومن يشكّك في ذلك، فليقرأ ما كتبه الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشة ، وحديثه عن المجتمع الألماني الذي ينجب ذكورا أبطالا مقاتلين، والمرأة و الأم المثالية القوية التي تنجب مجتمعا قويا، في إشارة إلى أدولف هتلر في كتابه (كفاحي)، والذي كان متأثراً جدًا بفلسفة فريدريك نيتشة، وهذا واضح من معظم فصول الكتاب ( وكاتب هذه السطور قرأ كتاب نيتشة “هكذا تكلم زارادتش “ ،وقرأ كتاب (كفاحي)لهتلر ).
كانت مهمة الصهيونية العالمية بعد اندحار وهزيمة ألمانيا النازية،دحر وإسقاط المجتمع الألماني، الذي أنتج هذا الفكر ، ومن هنا نشأت الجمعيات النسوية الهدّامة، والجمعيات الماسونية ،حتى إنها أثّرت على الكنائس وسفّهت الكنيسة والدين، فمن شاهد الكنائس المكتظة يوم الأحد قبل ثلاثين عاما، سيراها فارغة الآن إلاّ من بعض العجائز ، بل تحوّلت بعضها إلى ملاجيء للعجزة …سفّهت الجمعيات المذكورة كل دعائم المجتمع الالماني. دينيا ،وأسرياً ، واجتماعيا، وتبدّلت القوانين رويدا رويدا، لتواكب هذا الدمار الثقافي المجتمعي ، حتى وصلنا إلى تشريع هذا الشذوذ بل وتعميمه … هل تعلمون أنه في السنوات الماضية لغاية بداية السبعينيات لم يكن مسموحا لصديقين ( ذكر وانثى) استئجار شقة معا ، وكان المسموح فقط لمن يملكون عقد زواج ؟!…ولم تكن الزوجة المطلّقة تأخذ نفقة إذا كانت هي الظالمة لغاية عام 1973،ولكن الآن ، وبعد تبدّل القوانين دفعت المرأة لتكون متنمّرة على الرجل،ورابحة دائمة أمامه في كل القضايا…الآن تأخذ الزوجة المطلّقة نفقة حتى لو وجدت بفراش الزوجية مع عشيق، وإنني دائما أحذّر من الجمعيات النسوية في بلادنا المموّلة من الغرب، والتي عادة يشرف عليها إمّا عوانس ( مع خالص احترامي لهن)، أو فاشلات أسريّا( مطلّقات مع احترامي للمظلومين منهن طبعا ) !
لنرجع الى المونديال وقطر … في عام 2014 م ، كان المونديال في البرازيل ، و اشترك 650 ألف داعية برازيلي للتبشير بتعاليم المسيحية، ولم توضع شروطا مسبقة على البرازيل، أمّا في عام 2018 في مونديال روسيا، فتحت 400 كنيسة روسية أبوابها لزوّار المونديال، وبكل اللغات للتبشير بالمسيحية الارثوذكسية. وكانت روسيا تتعرّض وقتها لضغوطات إعلامية ( ناعمة)،لأنها أيضا تحارب المثلية الجنسية، فليست قطر وحدها أو بلاد العرب فقط من يمنع المثلية الجنسية، لكن للإنصاف، كان الغرب لطيفا في مونديال روسيا ،فلم يطرح مسالة المثلية بالعنجهية والتحدي التي نراها اليوم في قطر ، و السبب نحن غير محترمين عالميا وليس لنا وزن، إذ بشّرت البرازيل بالكاثوليكية وهذا حقها، وفتحت روسيا كنائسها الارثوذكسية بكل اللغات، إذا لماذا تم تسليط الضوء كثيرا على قطر بمسالة التبشير بالإسلام في المونديال ؟!… شخصيا وبدون نفاق، لا يهمّني دخول عشرة أشخاص مخمورين من المخمورين أو مئات الأوروبيين ( الزهقانين ) إلى الإسلام، فلن يحسّن ذلك من حياة مجتمعاتنا العربية البائسة، ويغيّر واقعنا المرير ، وليس مهما عندي أن تسمع الجماهير الأوربيّة إقامة الصلاة، فهي بالنسبة لهم صراخ لا يفهمونه، أقول ذلك من قلب مجتمعاتهم ، لأني أعرفهم وأفهم عقلياتهم !… ما يهمّني إعطاء صورة حضارية عن أمتنا تتجاوز صورة الإبل كمواصلات وتعدّد زوجات واضطهاد المرأة ( هذه الصورة النمطية كانت موجودة بقوه سنوات التسعينيات ) ، ونشر صورة حقيقيّة لمجتمعات متحضّرة لديها قضية تقاوم من أجلها كيانا مصطنعا دخيلا عليها لا يشبهها، بل يشكّل خطرا عليها ، هو الكيان الصهيونى..
وهنا لن اكون منافقا وأقول، لو كان الأمر بيدي فلست مع صرف مليارات الدولارات لإقامة ملاعب لإرضاء أناس لن يرضوا عنا أبدا ! أقول ذلك، وأنا أعيش بينهم … لو وزّعت هذه المليارات لتنميّة أمتنا العربية المنكوبة، لكان ذلك أفضل بكثير من وجهة نظري .. ومع ذلك أقول: إن قطر أبلت بلاء حسنا، وقدّمت صورة مشرقة عن العرب، أثارت حسد وضغينة الغرب المتعجرف .
انا شاهد على تقلّبات هذا المجتمع في ثلاثين عاما عشتها بينهم … شاهد على خراب الأسرة والكنيسة والمدارس ..وكان يجسّد ذلك الخراب بإصدار ( فرمانات ) بشكل قوانين صارمة ، وكان يسبقها دعايات إعلاميّة كبيرة ، وبرامج تلفزيونيه،ولوبيّات الضغط كجمعيات المرأة والمثليين التي لها كلمة الفصل دائما .
أعطيكم مثالا بسيطا ، وهو أن جميع محاولات وضغط الجمعيات النسوية لتشريع حق الإجهاض فشلت حتى الآن . ومنذ عقود، وأنا أسمع عن هذه المحاولات .. خبرتي بهؤلاء القوم ، أنهم سينجحون لاحقا وبفضل الجمعيات النسوية (ما غيرها )، وسيتم تشريع الإجهاض ..إن أوّل ما ستفعله ألمانيا وأوروبا هي حشر الدول العربية والدول المتمردة عليها،أن تحشرها في موضوع منع الإجهاض وأنه مخالف لحقوق المرأة في الحمل !
تأكّدوا أنه لو حصل المونديال في الهند مثلا، لما تجرّأ الإعلام الغربي أن ينشر دعايات ماكدونالدز وهامبورغر لحم البقر .. سيحترم خصوصية المجتمع الهندي، والمعروف أن لجنة المونديال من قوانينها احترام قوانيين الدول التي تستضيفها، فما حصل في قطر بروبوغندا يندى لهى الجبين .
لكن ما اثلج صدري، هو الموقف العربي الشعبي الموحّد مع قطر ، ومع الفرق العربية التي تمثّل العرب في المونديال، وانحاز الجميع لعروبته ، وشجّع السعودية والمغرب وتونس، وشجّعنا إيران لموقفها من الهيمنه الامريكية والصهيونية .
ولقد فرح الجميع عندما شاهد الجماهير العربية ترفض لقاء قنوات التلفزة الصهيونية في قطر، وإنني على المستوى الشخصي حزنت، فالأصل أن لا تكون قنوات التلفزة ووسائل الإعلام الصهيونية موجودة على أرض عربيّة،والمفترض أن يشعر أي إسرائيلي بخطر وجوده على أرض عربيّة، فهو هدف مشروع طالما هناك أرض محتلة هي فلسطين … لن تحرّر فلسطين برفع علمها في المونديال، فهذا أكيد، لكنها كانت فرصة لبعث الشعور القومي والنفس المقاوم ، وهو ما أسعدنا وأثلج صدورنا.
لا بد من الإشارة في النهاية، للأمانة والموضوعيّة، أنني لست من مشجّعي ولا محبّي كرة القدم ، لأنني أراها رياضة برجوازية تجمع منها شركات الإعلانات ملايين، الدولارات ويجني كل لاعب يركض في الملعب الملايين، وقد يكون لا يعرف من الحياة سوى الركض والبصق في أرضيّة الملعب وتسديد الأهداف، ومع ذلك يحمل لقب مليونير ، وهو غالبا لم يتعلّم لا صنعة ولا حرفة ، وقد لا يمتلك شهادة دراسية !عدا عن أن هذه الرياضة تبثّ الكراهية والتفرقة، وهذا السبب الرئيس لكرهي لها ( كرهت كرة القدم من نوادي الوحدات والحسين في الثمانينات، ولاحقا الوحدات والفيصلي،و هذا على صعيد بلدي الأردن، بسبب ما تبثّه من تفرقة وعنصريّة بغيضة).
* ناشط سياسي فلسطيني مقيم في أوروبا.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).