بقلم : عدنان الروسان
الخطاب الذي ألقاه الشيخ طراد الفايز ،كان علامة فارقة و ذا مغاز عميقة ،وكان كلامه واضحا لا لبس فيه، ووضع صورة فلسطين في أذهان الأردنيين أمام الناس ،كما هي بعيدا عن التشوّه الذي أصاب هذه الصورة عبر إعلام التطبيع العربي،والذي اختزل القضية الفلسطينية في عنوان واحد، هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ،حيث قال :(هذه بلد الرباط نحن فداء فلسطيني ، و أطلب من حكومتي كابن عشائر و القبائل الأردنية فتح مكاتب حماس في الأردن ،وعندما شرعت حماس سيف القدس، طبّت النشوة العربية فينا و الإسلامية ).
و حينما سجنت قبل أيام ،كان من بين ما واجهني به المدّعي العام من تهم، مقالا كتبت فيه أن العشائر الأردنية تستعد فيه لاتخاذ موقف مما يجري ،و بالتحديد بعنوان ” عشائر اردنية تستعد لإعلان موقفها مما يجري في الوطن “،و كانت تهمتي نشر أخبار كاذبة ، هل ما زال أنصار التعامل بالسجن و المحاكم مع من يتكلّم يعتقدون اليوم أن أخباري كاذبة ، أم أن اخباري صحيحة ،وكان الأولى أن تدرسها الأجهزة والمؤسسات الرسمية بعناية ،بدل الهرولة نحو السجن و القيود و المداهمات، فهل خطاب الشيخ طراد الفايز يكذّب حدسي و معلوماتي أم يصدّقها،واليوم أضيف مرة أخرى لمن يهمه الأمر في الدولة الأردنية أنكم بينما تفكّرون بحبس الكتاب و تكميم الأفواه، فإن ما يجري تحت الرماد يشعرني بالقشعريرة،وأخاف علينا و على وطننا ممن لا يحسنون تقييم الأمور بصورة جيدة، و ممن لا يريدون أن يتواضعوا و ينظروا الى الأمور نظرة متفحّصة وطنية واقعية.
إن العشائر الأردنية شرق اردنية و غرب اردنية كلها تشعر بالغبن و الإحباط ، نتيجة تصرّف الحكومة و بدأ الناس يرون أن ما يقع من أحداث ليس عفويا ،بل وكأن هناك مخططا و مشروعا يقوم أصحابه بتنفيذه ، و إلاّ هل انتهت كل مشاكلنا ، لتصبح المشكلة الأكبر نوادي الرياضة الفيصلي و الوحدات ، و هل من المنطق أن نهمل في استراتيجيتنا السياسية حركة حماس ،التي باتت تمثل بيضة القبّان في القضية الفلسطينية و هي من تضع حدودا ل” إسرائيل” و تصرّفاتها ،وهي من يحضّر ليوم التلاق ، و أرجو أن لا أسجن على ما اقوله الآن كما سجنت على ما قلته بشأن العشائر أمس، وتبيّن أن ماقلته صحيحا ،ومن سجنني كان و ربما مازال يتصرف بنزق، وليس بعين سياسية أمنيّة تمثّل دولة عمرها مائة سنة عجاف… اليوم أقول إن من مصلحة الدولة الأردنيّة -ضاما صوتي لصوت الشيخ طراد الفايز، -أن تقوم بإعادة النظر في المشهد السياسي و الأمني الأردني فيما يخصّ العلاقة مع حماس ،وأن لا يكون هاجس الخوف هو المسيطر على عقل الدولة الجمعي.
في قابل الأيام وربّما قريبا، ستتغيّر الصورة ،وهذا تحليل يمكن أن يتوصّل اليه أي مراقب بسهولة إذا ما أمعن النظر في المشهد قريبا ، إذ سيكون الوزن النوعي في القضية الفلسطينية لحماس وحدها ،وستكون هي صاحبة القرار ،وصاحبة الحل و الربط ،وتحت جناحها قد تنضوي بعض حركات الانشقاق حتى عن حركة فتح نفسها ،التي تآكلت شعبيتها، ولم يبق لها وجود إلاّ ما تحميه” إسرائيل” بقوة السلاح والنفوذ ،وستتلاشى السلطة الوطنية الفلسطينية ،أو ستصبح مثل حكومة فيليب بيتان الفرنسية، أو حكومة باتيستا الكوبية في أحسن الأحوال… إقرؤوا التاريخ أيّها الإخوة ، فمن لا يقرأ التاريخ ،ويبني سياسات الدولة على عناوين الصحف الغربية فقط لا يبني وطنا . التحالف مع السلطة الفلسطينية ليس مغنما ،ومع هذا فنحن لا نطالب بقطع العلاقات معها ،ولكن نطالب خلق صيغة من التوازن الذي يحفظ أمن الأردن.
حماس تشكّل الأمل الذي ينظر اليه ويتوقّعه الناس ،وقد عبّر الشيخ طراد الفايز عن ذلك بجرأة ووضوح و ” بق البحصة ” الموجودة تحت لسان كل أردني، وتحدّث بالتفصيل و صراحة عن بطولات الشعب الفلسطيني و أبطال حماس و الشهداء الذين يهاجمون الجيش الإسرائيلي، و يدافعون عن الشرف الفلسطيني و الشرف العربي.
حماس إضافة نوعيه للسياسة الأردنية ،وظهيرا قويا للأداء السياسي الأردني، وتصلح الدولة خطأ استراتيجيا حصل بإخراج حماس من الأردن إرضاء لشهوات البعض، ودون حسابات سياسية و أمنية دقيقة. إن عودة حماس للأردن، سيخفّف من غلواء تطلعات نتنياهو للأردن، وهو لا يرانا إلاّ كتابع له، ووجود حماس هنا سيرسل رسالة قوية لنتنياهو ،مفادها أننا قادرون على الفعل ،و لا نقبل أن نكون تحت تهديد أحد..
أعيدوا حماس إلى الأردن هداكم الله، وإنني مرّة أخرى ، أضم صوتي لصوت الشيخ طراد الفايز بضرورة اتخاذ هذه الخطوة و الترحيب بحماس بطريقة تليق بها ، وانظروا إلى موقف قطر و مواقف الكويت ربما تساعدكم باتخاذ القرار .
*كاتب أردني
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).