بقلم : أوّاب إبراهيم المصري
“فكرّنا منذ 15 عاماً أن نمشي إلى القدس، وطلع علينا الشيخ يوسف القرضاوي بفتوى وقال: لا أحد يمشي إلى القدس إلا الفلسطينيون. ونطلب من القرضاوي (كان حاضراً) إن أمكن أن يطلع بفتوى في شأن الذهاب إلى القدس”. بهذه الكلمات مازح أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة قبل سنوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس،حول سبب امتناع أهل قطر من زيارة فلسطين.
تشييع العلامة القرضاوي ودفنه على أرض قطر ،شارك فيه آلاف التلاميذ والمحبّين، وشارك فيه أيضاً رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية ووزراء آخرون وأشقاء الأمير، كما نعاه كبار القوم في قطر الذين استقبلوا الراحل واحتضنوه وأكرموا ضيافته طوال أكثر من ستة عقود.
علاقة الشيخ القرضاوي بأرض قطر بدأت عام 1961، حين وصلها “إعارة” ليكون عميداً لمعهدها الديني، حيث عمل على تطويره. عام 1973 أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات لتكون نواة جامعة قطر، فتمّ نقله إليها ليؤسُس قسم الدراسات الإسلامية ويرأسه. عام 1977 تولٌى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظلّ عميداً لها حتى عام 1990. كما كان المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر.
طوال ستة عقود، شكّلت دولة قطر بكرم أهلها ومواردها واحتضانها سنداً وداعماً لأفكار الشيخ القرضاوي ومشاريعه. فدعمت فكرته بإنشاء شبكة “إسلام أونلاين” على الإنترنت عام 1998، التي شكّلت في إحدى المراحل أهم المصادر للفتاوى والأخبار والقضايا السياسية والاقتصادية والطبية والاجتماعية التي أفادت المسلمين حول العالم. كما كانت داعمة له بفكرة تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004 ،والذي بات يضمّ تحتَ لوائه أكثر من 90 ألفاً من علماء المسلمين، سنّة وشيعة وإباضية، ومازال المقر الرئيس للاتحاد في العاصمة القطرية الدوحة. دولة قطر أنشأت كذلك عام 2008 مركزاً أكاديمياً تابعاً لإحدى جامعاتها، أطلقت عليه اسم “مركز القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد”. كما خصَّصت كلية الدراسات الإسلامية جائزةً أكاديمية عالمية، تكريماً للشيخ يوسف القرضاوي، واعترافًا بدوره الريادي في الوسطية الإسلامية والتجديد. هذا بالإضافة لتخصيص برنامج للشيخ على قناة الجزيرة استمر سنوات وتابعه الملايين.
لكن ذروة التقدير والتكريم القطري للشيخ القرضاوي، كان بعد إعلان كل من السعودية والامارات والبحرين ومصر عام 2017 حصارها على قطر، واشترطت حتى تفكّ حصارها عدداً من الأمور ،كان في مقدمها طرد الشيخ القرضاوي من أراضيها، باعتباره “الزعيم الروحي” لحركة الاخوان المسلمين.كان يمكن للدوحة ببساطة أن تطلب من الشيخ القرضاوي بودّ أن يغادر ها، وكان سيستجيب برحابة صدر، علّ ذلك يساهم في تخفيف الحصار “الخانق” الذي فرضته الدول الأربع. لكن حكام الدوحة رفضوا الخضوع، خاصة أن الشيخ القرضاوي يحمل الجنسية القطرية، بل زادوا في إكرام الشيخ واحتضانه. وحرص أمير قطر في شهر رمضان الذي تلا الحصار -كما في كل عام- على أن يكون الشيخ القرضاوي في مقدمة العلماء الذين يستضيفهم على مائدة الإفطار في الديوان الأميري، وقبّل رأس الشيخ أمام وسائل الإعلام مع ما يعنيه ذلك من تحد وإصرار.
حسن الضيافة والتكريم والتقدير القطري، لم يؤثّر في مواقف وقناعات الشيخ القرضاوي أو يدفعه لتليينها. فهو انتقد قطر حين تطلّب الأمر الانتقاد، وأدانها حين تطلب الأمر ذلك. فعام 2001 انتقد الشيخ القرضاوي دعوة الدوحة استضافة لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وفي لقاء في برنامج (الشريعة والحياة) على قناة الجزيرة عام 2003 ،سُئل الشيخ القرضاوي عن القواعد الأمريكية في الخليج، فأدانها ورفض إقامة قاعدة أميركية عسكرية على أرض قطر. وعام 2009 انتقد الشيخ رحمه الله استضافة قطر لصحفي دنماركي يعمل بالصحيفة التي نشرت الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كثيرة هي المطوّلات والمقالات التي كُتبت وستُكتب في الأيام القادمة،حول مآثر وفضل وفكر وحكمة ووسطية وعمق وفقه وكتب ومسيرة وحياة الشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله. لكن جانباً مقدّراً من هذه المآثر، كان لدولة قطر نصيب فيها بإقرار الشيخ القرضاوي خلال حياته.
* كاتب لبناني.
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).