كان لافتاً حجم الاحتفاء الرسمي للأنظمة العربية بالمولد النبوي الشريف، ففي مصر نظّمت وزارة الأوقاف احتفالاً بذكرى المولد النبوي ،بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية بالعاصمة الإدارية الجديدة، وقد حضر الاحتفال عدد كبير من المسؤولين، كان في مقدّمتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي.
وإن كانت مصر قد اعتادت على رؤية هذا المشهد بشكل سنوياً، خصوصاً منذ صعود السيسي إلى السلطة، حيث أظهر السيسي اهتماماً لافتاً بهذه المناسبات الدينية، فبتنا نشاهده في احتفالات لم نكن نسمعها بها من قبل مثل ليلة القدر وعيد الفطر، لكن المثير للانتباه هو ظهور هذا الاحتفال في دول عربية أخرى لم تعتاد على تنظيم هذا النوع من المناسبات.
ففي الأردن مثلاً، رعى الملك عبدالله الثاني احتفال المولد النبوي الذي نظّمته وزارة الأوقاف الأردنية في مسجد الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، وقد لقي ذلك اهتماما كبيراً لأسباب متعددة، فهذه هي المرة الأولى التي يحضر فيها ملك الأردن مناسبة من هذا النوع، إذ لم يسبق له حضور احتفال المولد النبوي منذ توليه العرش قبل أكثر من 20 عاماً.
كما أن حجم الاهتمام الإعلامي في الأردن لإبراز هذا الاحتفال كان مثيراً للانتباه،إذ حضر الاحتفال رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ومعظم المسؤولين الكبار في الدولة، رغم أن هذا النوع من المناسبات لا يعد مألوفاً في الأردن، بل ربما لم يكن يتم تنظيمه أصلاً قبل أعوام قليلة.
ذات الأمر تكرّر في المغرب، حيث حضر ملك المغرب محمد السادس رفقة ولي العهد وعدد من حاشيته احتفال المولد النبوي الذي جرى في مسجد “حسان” في العاصمة الرباط، ورغم أن حضور ملك المغرب ورعايته للمناسبات الدينية يعد أمراً معتاداً، لكن حضوره كان لافتاً، بعد أشهر من التقارير والأخبار التي تحدّثت عن غيابه المتواصل عن المغرب، وتفضيله البقاء في العاصمة الفرنسية باريس.
كذلك شارك الرئيس السوري بشار الأسد بالاحتفال الديني الذي أقامته وزارة الأوقاف اليوم إحياءً لذكرى مولد النبوي في الجامع الأموي الكبير بدمشق، وهي مناسبة يلاحظ أن الرئيس السوري يحرص على المشاركة بها بشكل دائم منذ عام 2014.
ويبدو أن هذا الاهتمام الرسمي المتزايد من الأنظمة العربية بمناسبة المولد النبوي، وحرص دور الإفتاء على التأكيد على شرعية الاحتفال بهذه المناسبة، يأتي في إطار جهود هذه الأنظمة المستمر منذ سنوات لطرح الإسلام الصوفي كبديل للإسلام السلفي، إذ لم يعد خافياً على أحد حرص الأنظمة العربية على تعيين الشيوخ المحسوبين على الصوفية في وزارات الأوقاف ودور الإفتاء، وتصدير النموذج الصوفي ،لأنه يساهم بتغييب الناس وإبعادهم عن التيارات السياسية مثل الإخوان المسلمين.
وكما هو معلوم، فإن احتفالية المولد النبوي، هي من المناسبات التي تعتقد بعض التيارات السلفية بحرمتها، وكانت غائبة عن معظم الوطن العربي في ظل الحضور القوي الذي كانت تتمتّع به التيارات السلفية قبل الربيع العربي، ويبدو أن هذا الدعم الرسمي الهائل وغير المسبوق للاحتفال في المولد النبوي، يأتي في إطار تقوية الأنظمة للتيارات الصوفية بشكل غير مباشر على حساب التيارات السلفية.