مقالات

تأمّلات في الخطاب الفلسطيني الرسمي في الأمم المتًحدة

بقلم : د. وليد عبدالحيّ

استمعت للخطاب الفلسطيني الرسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها رقم 77 قبل أيام، وتوقّفت متأملًا في أهم ما جاء في الخطاب:
أولًا: اتهام الأمم المتحدة، بأنها لم تنفّذ قرارًا واحدًا من الـ 754 قرارًا في الجمعية العامة، و97 قرارًا من مجلس الأمن ،و96 قرارًا من حقوق الإنسان، أي إن 947 قرارًا من الأمم المتحدة لصالح فلسطين لم ينفّذ منها شيء خلال 74 سنة، وهنا نسأل المتحدّث: لماذا أتيت إذن لتخاطب 194 دولة، لم تنفّذ قرارًا واحدًا من 947 قرارًا ولعشرات السنين؟
جوابي: هل نفّذت انت قرارا واحدا مما وعدت به شعبك؟ …ألم تعدنا بعد اغتيال عرفات بفترة قصيرة أنك ” ستعلن عن أسماء من نفّذ تسميم عرفات بعد أيام قليلة. فأين ذلك رغم مرور 18 سنة على تسميمه؟ ألم تعد بوقف التنسيق الأمني 62 مرة موثّقة، وامام هيئات رسمية مختلفة،فأين ذلك؟ الم تعدنا بانك ستوقف كل الاتصالات مع “إسرائيل” ، لكن قنوات التواصل السري والعلني لم تتوقّف، بل دعوت في هذا الخطاب وبلهفة واضحة “إسرائيل ” للجلوس لطاولة المفاوضات؟ الم تقل إن أمريكا ليست وسيطا نزيها في عملية السلام، ولم تنقطع مفاوضاتك معها؟ لماذا أوقفت الانتخابات بعد وعود بإجرائها بعد انقطاع 17 سنة، وبعد أن كشفت التقارير أن فتح ستخسرها؟
أتفهّم أن للسياسة مقتضاها، فمن لا ينفّذ قراراته، فهو حادي العيس لمن ينهج النهج ذاته.

ثانيًا: قال الخطيب الفلسطيني في خطابة حرفيا: ” لن نلجأ للسلاح، لن نلجأ للعنف ،خذوها قاعدة منا، لن نلجأ للإرهاب؛ بل سنحارب الإرهاب معكم سويا”.
وهنا نسأل: إذا كان السلام لا يستجاب له كما قلت في خطابك ، بدليل أن 947 قرارا دوليا لم ينفّذ ، وأنك لن تلجأ لا للسلاح، ولا للعنف (والذي يعني حتى رمي الحجر) ، ولا للإرهاب وأنت تعرف أن في هذا المقام تقف حركات المقاومة الفلسطينية في منتصف التعريف بالإرهاب لدى الطرف الأمريكي والاوروبي والإسرائيلي؛ فبالله عليك ما هي الوصفة السحرية التي تحملها لحل الصراع؟!…أنت تقول: إن ثقتك بإحلال السلام تتراجع، وإن “إسرائيل” ليست شريكًا للسلام، وإن الأمم المتحدة لم تنفْذ حتى قرارًا واحدًا، وإنك لن تقاوم “إسرائيل “بأيّ شكل من أشكال المقاومة، أنت لا تريد مقاومة بأي شكل من الاشكال، ولا تصدّق أن هناك سلاما ،وأن الامم المتحدة لا تنفّذ قرارًا واحدًا، فماذا تبقّى؟ هل تهديد” إسرائيل “كما ورد في خطابك بالانضمام إلى منظّمة الصحة العالمية، ومنظّمة الملكية الفكرية ،ومنظّمة الطيران المدني سيجلب الحل؟ إذا كان قرابة ألف قرار من اعلى الهيئات الدولية، لم يجلب حلاّ، فهل منظمات بيع تذاكر الطيران وترويج الأسبرين ستحل المعضلة الفلسطينية؟
ثالثا: إن الوهم بأن العلاقات الدولية، تدار بثقافة سوق عكاظ، أمر لا بد من التحرّر منه، فنحن لسنا في موضع البحث عمّن هو أشعر من الآخر في أروقة الأمم المتحدة، فتنميط الكلام ودغدغة المشاعر واللجوء للمصالحات الذهنية كما يقول المناطقة، ليس هذا مقامه، وإنني أسال سؤالا محدّدا، ومن واقع التجربة مع “إسرائيل “: لم انسحبت “إسرائيل “من جنوب لبنان،ولا تجرؤ الآن على دخول أي من عناصرها له؟ لماذا انسحبت “إسرائيل ” من قطاع غزة، الذي ابتلع أسراها ،وتتوسّل لجهات مختلفة لتعرف عنهم شيئا ولا تستطيع الاقتراب من حدوده؟ ولماذا عاد سكان الضفة الغربية، بل وبدأ سكان 1948 يشاركونهم الفعل الى المواجهة من جديد. فما الذي يجعل كتائب الاقصى الفتحاوية تعود للعمل رغم عيون “إسرائيل “ورغم عسس التنسيق الأمني؟
رابعًا: استقلالية القرار الفلسطيني: أكد خطيبنا على استقلال القرار الفلسطيني وعدم السماح لأي طرف بالتدخّل فيه. وهنا نسأل كيف يخرج خطيبنا عن الجسور الفلسطينية؟ أليس بالتنسيق، ألى يقل إنه ” تحت بسطار الاحتلال”؟ ومن يسمح للمال للدخول لخزائنه؟ وهل التنسيق الامني دليل استقلال، فكيف للثيّب التي انجبت خمسا أن تدّعي أنها بتول؟
أخيرًا: أكّدت دراسة علمية أكاديمية موثّقة، أن 25% من حروب العالم خلال الفترة من 1913 إلى عام 2020 انتصر فيها الطرف الأضعف، والسبب الرئيس للانتصار، هو امتلاك القوة الذكية (Smart Power) ،أي فن توظيف القدرات المتاحة.

*كاتب وباحث فلسطيني

 (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق