تقارير و تحليلاتعام

كيف تمكّن الأمريكان من اغتيال أيمن الظواهري ؟

بقلم : ناجح خليل*

لم يكن مقتل أيمن الظواهري مسألة صعبة أو بالغة التعقيد كعملية أمنيّة، فالرجل المثقل بأمراض الربو والسكري وضغط الدم وأمراض أخرى،والذي كان يمضي أيامه الأخيرة صائما منذ ما ينوف عن الثلاث سنوات،استطاع أن يختفي من وجه الملاحقات الأمنية الأميركية واحدا وعشرين عاما، لكنه فى الأيام الأخيرة من حياته فقد خاصياته الأمنية، بعد أن سلّم مهامه فى التنظيم لقيادات بديلة، واختار أن يعيش بعيدا عن الأضواء ، أما آخر الفيديوات التي سجّلها قبل شهور قليلة، فكان موضوعه عن فتاة هندية مسلمة رفضت خلع الحجاب، وفى الفيديو أثنى عليها معتبرا أنها نموذج يحتذى.
وقد فسّر هذا الفيديو في حينه كإعلان غير مباشر عن تقاعده وتغيير مهامه، واضطراره للانشغال بأسرته المكوّنة من سبعة أبناء وبنات، وزوجة جديدة تدعي أميمة حسن،بعد وفاة زوجته الأولى عزة أحمد عام ٢٠٠١، علما أن الأبناء السبعة من زوجتيه.
المهم، أن الرجل انتقل قبل عدة شهور إلى حي (شربور)الدبلوماسي في العاصمة كابول، وكلمة شربور تعني اللص، فى اشارة لقاطني هذا الحي، الذين كانوا بمعظمهم من الفاسدين ومن رجال الأمن المحسوبين على النطام السابق وعلى السفارة الاميركية، فيما كان يقطن قبل ذلك فى أحد البلدات الباكستانية الهادئة على الحدود الأفغانية الباكستانية، فى عهدة جهاز المخابرات الداخلية الباكستانية ،الذى يعد واحدا من أهم الأجهزة الاستخبارية فى العالم أجمع، والذي تم فيه (أي في هذا الجهاز) تفريخ المدارس الدينية على الحدود بين أفغانستان وباكستان ، والتي فرّخت بدورها كل سياقات وأساليب وتنظيمات الجهاد ضد السوفييت فى أفغانستان ،ومن ضمنها القاعدة وطالبان، والادوار الكبيرة والاستراتيجية التى قامت بها لعقود، لجهة مع أو ضد المصالح الأميركية، مستعينة بالنسبة الغالبة من قبائل البشتون المحلية، ومستعينة أيضا بما اتفق على تسميتهم ب” الأفغان العرب”.
َوالسؤال الذى ما زال مطروحا حتى الآن : من الذى أقنع الظواهري بالانتقال من عهدة آمنة فى بلدات الحدود مع باكستان، إلى حالة غير آمنة فى عهدة طالبان التى تغيّر مزاجها السياسي وتنوّعت أساليبها في الحكم ،بعد أن أصبحت تستمع للباكستانيين الحلفاء التاريخيين بأذنها اليسرى، وتستمع للقطريين الذين يديرون البلاد تقنيا واقتصاديا وأمنيّا وميدانيا بالتعاون مع تركيا بأذنها اليمني، حيث جاء الظواهري بذلك من الغياب الكلى أمنيا إلى الواجهة المعلنة للقاصى والداني، إلى درجة أن ساكنى ( شربور) أعلنوا فى مناسبات عديدة ، أنهم بدأوا يلاحظون وجودا عربيا فى المنطقة، بعد أن بدأت زوجته وابناؤه وبناته يتحرّكون في الحي ويذهبون إلى الأماكن العامة والمتاجر ، فى وقت دأب الظواهري على الجلوس في شرفة المنزل بشكل يومي ومنتظم، الأمر الذى اتاح لملاحقيه تصويره للتأكّد من شخصه.
الأمر الأكثر خطورة أن المنازل المحيطة بمنزله، أمر ساكنوها قبل يومين من استهدافه بعدم استخدام أسطح منازلهم، حتى لا يختلط الأمر على الهدف المبرمج فى الطائرة المسيّرة.
لقد تأكّد الأميركيون من وجوده ومكانه وعاداته اليومية منذ شهر نيسان( أبريل) الماضي، وفى حينه أبلغ (جاك سوليفان )مستشار الأمن القومي بايدن بالأمر، الذى بدوره أبلغ أوباما، فاشار عليه هذا الأخير باستهداف الظواهري لتحسين الصورة الضعيفة لإدارته أمام الناخبين، تماما كما فعل أوباما عندما أشرف على عملية استهداف بن لادن وقتله فى ٢ أيّار ( مايو)من عام ٢٠١١ فى بلدة( بات أبوت) الباكستانية.
وهكذا اتّضح أن الأميركيين لا يغيّرون أساليبهم في سياق خدمة مصالحهم، إلاّ بما يقدّم أو يؤخّر أو ينوّع في التكتيك المستخدم من أجل حماية هذه المصالح والحفاظ عليها.

*كاتب وصحفي ومحلّل سياسي فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق