بقلم : محمّد البقالي*
ذكرت مصادر دبلوماسية مطّلعة، أنه عندما كانت “الجزيرة” تبث من المغرب النشرة المغاربية مابين 2007 و 2010، اتّصل الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي بالملك محمد السادس محتجا، بشأن استضافة النشرة التي تبثّ من المغرب معارضين لنظامه.
وكان المقصود المنصف المرزوقي،الذي سيصبح رئيسا لتونس بعد ثلاث سنين من هذا الواقعة، و حمة الهمامي ونجيب الشابي وغيرهم من وجوه المعارضة التي كان عادة ما يكون في مواجهتها برهان بسيس ممثّلا لصوت النظام.
وفي لحظة ما لمّح بن علي في لحظة ما إلى أن تونس يمكن أن تفتح مكتبا لجبهة البوليساريو ردا على استضافة الجزيرة للمعارضة التونسية. قال المصدر ذاته إن الملك محمد السادس قطع الخط في وجه بن علي.
على كل حال، لم يحاول بن علي تنفيذ وعيده ، وعادت علاقات المغرب وتونس إلى سابق دفئها. وعندما وقعت الثورة ،يتذكّر التونسيون جيدا إقامة الملك محمد السادس بين ظهرانيهم لأسبوعين، في إشارة ود لا تخفى.
تاريخيا ، اختارت تونس دبلوماسية متوازنة وهادئة، نأت فيها بنفسها عن سياسة المحاور، وتجنّبت الانخراط في الصراعات التي لا ترى نفسها معنيّة بها.
لم تتغيّر هذه السياسة على عهد بورقيبة، الذي يعدّ مؤسّس الدولة الوطنية بما له وبما عليه، ولا عندما غرقت في الاستبداد على عهد بن علي، ولا خلال عشر سنين من الثورة .
ونتيجة لذلك، حفظت مكانتها دولة هادئة مسالمة لا يكاد يوجد لها أعداء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
في قضية الصحراء لم تخرج تونس عن هذا التوجه، وموقفها في ذلك كان مفهوما ومتفهّما من قبل الجميع.
فمن جهة لا مصلحة في إغضاب الجزائر جارتها الكبرى التي تساهم في تأمين حدودها، ويأتيها منها من السيّاح ما يفوق المليون سنويا، وتشترك معها في مئات الكيلومترات من الحدود الجبلية العصيّة على التأمين في سياق سياسي وأمني متوتر .
وهي من جانب آخر ، لا مصلحة لها في إغضاب المغرب، وهو بلد شقيق لا خصومة معه تاريخيا.
هكذا تعاملت تونس مع التوتّر المغربي الجزائري بمنطق “شقيقان تخاصما فلا أصب الزيت على نار خصامها”
للأسف، الرئيس التونسي قيس سعيّد يريد أن يجرّ تونس إلى سياسة المحاور ضدا على نهج دبلوماسي ارتبط تاريخيا بالدولة الوطنية، بل وضد مصلحة البلد نفسها.
* أكاديمي وصحفي مغربي.
* (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).