بقلم: د. محمّد عيّاش الكبيسي*
جاءني أحد الإخوة الأعزاء، وهو محرج من قريب له ملحد مقيم في الغرب، يسأله باستنكار: هل الله سيعذّب كل هؤلاء الذين توعّدهم القرآن بالعذاب الشديد؟ وهل خلق الله البشر ليعذّبهم وينتقم منهم كل هذا الانتقام؟ فأين هي إذاً رحمة الله؟!
حينما بدأت أكلّم صديقي هذا عن معنى آيات العذاب، وأنها كلها (وعيد) وليست أخبارا، وأن الوعيد مختلف عن الخبر، فالخبر إن لم يتحقّق كان كاذبا، وأما الوعيد فممكن أن يتحقّق وممكن لا.
اندهش صاحبي، وكأنه يسمع الكلام لأول مرة، وصار يزيد من الأسئلة، فقلت: الله سبحانه وتعالى يحذّرنا من ارتكاب الجرائم والموبقات ،ويبيّن لنا ما تستحقه كل جريمة من هذه الجرائم، لكي يعيش الناس حياتهم بأمن وسلام ونظام وتكافل وتراحم، وأنت ترى مع كل هذا الوعيد الشديد والتحذير الأكيد انتشار الجرائم والمظالم بأنواعها حتى بين المسلمين أنفسهم.
أما هناك في الدار الآخرة، فإن هذا الوعيد قد يقع بعدله سبحانه، وقد يخفّفه الله تعالى، أو يرفعه أصلا برحمته وفضله وكرمه، ولذلك سمّى الله تعالى نفسه (العفوٌ) ،والعفو إنما يكون عن مستحق العقوبة بكل تأكيد لا عن البريء، وأيضا شفاعة المصطفى عليه الصلاة والسلام القائل (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، وهذا كله يجعل الإنسان العاقل يطير إلى الله بجناح من الخوف للوعيد الوارد، وبجناح من الرجاء للعفو الوارد أيضا، بلا إفراط ولا تفريط.
والخلاصة ، أن الوعيد ليس خبرا وإنما هو استحقاق، ومستحق الوعيد قد يلحقه العفو، وليس له أن يتّكل عليه ويستهين بوعيد الله تعالى.
وهذا بخلاف (الوعد)، فالوعد بالثواب متحقّق يقينا، لأن الله لا يخلف وعده، وهذا من تجلّيات الحديث القدسي: (إن رحمتي سبقت غضبي).
اللهم فعفوك ورحمتك ،نرجو لنا ولجميع المسلمين.
*مفكّر وفقيه وداعيّة إسلامي عراقي
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)