بقلم: معاذ إحسان العتيبي
البحث السلفي العلمي المعاصر عمومًا ،يحتاج إلى مزيد تحرير وتدقيق في بحوثه ونتاجه، ولا أنفي أن البيئة العلمية لدى تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على امتداد القرون ،ساعدت في تشكّل بوتقة معيّنة في التفكير والتقرير والتطبيق، مما يحتاج إلى مزيد بحث ومناقشة.
والمقصود بكل حال هو : ضرورة وجود انفتاح ومراجعة لهذا التحرير من السلفية أجمعهم، ولا أشك أيضا أن ثمة تلاميذ كبار المدارس السلفية المعاصرة يحاكمون الآخرين إلى منهج شيخ معيّن وطريقة تفكيره، فيقعون في نحو تعصب (بسبب الاقتناع التام والموثوقية العالية بحكم المعاصرة) ،لا لتعظيم ذلك الشخص أو ادعاء العصمة فيه بشكلٍ ما.
أعلم جيدا أن “نوعية” تحبّ العنوان المصاغ في هذه المقالة، وهي تقرأ الآن بلون الفرحة والسعادة، لكن أحب منك أن تكمل معي بقية الحكاية!
قلتُ ما قد قلت : لأن المدرسة السلفية فعلاً تطوّرت في بحثها وتحريرها – بما لا يسيء الظن ولا يوقع كبار المشايخ المعاصرين ممن قضى نحبهم رحمهم الله – من قِبل بعض المعاصرين الأفذاذ، على سبيل المثال : د. عبد الله القرني، د. سلطان العميري أ. عبد الله العجيري د.يوسف الغفيص الشيخ عبد العزيز الطريفي د. عبد الكريم النملة د. مساعد الطيار د. أحمد القعيمي أ.د خالد العروسي د. عامر بهجت د. سعيد الكملي د. عمر الأشقر د. البشير المراكشي د. محمود الشنقيطي
م. محمد براء ياسين أ. ماهر أمير (والقصد التمثيل لا الحصر) .
وهؤلاء كلهم طوٌروا الدرس العلمي (العقدي/الفقهي/ التفسيري/ اللغوي / الوعظي وغيرها) من غير مشاغبة ولا مناكفة ولا اتهام جائر ، بمنهج سلفي متزنٍ منضبط .
وملامح التطوير من الباحثين الجدد يكمن في أربعة أمور :
١) تحرير المصطلحات العلمية.
٢) توسيع دائرة الإعذار ، وتوسّع دائرة البحث التاريخي.
٣) تقرير منهجيات بحثية علمية ضابطة .
٤) الوصول إلى أحكام محرّرة بضبط البحث العلمي.
ونتج من ذلك في الانشغال السلفي الحديث:
١. تجديد معالم “الدراسة المذهبية” وعدم قبول ما يسمى (فقه الراجح).
٢. تطوّر البحث الأصولي، والبحث الكلامي ،كنوع جدال ومباحثة ونقد لا كأصل من أصول العلوم.
٣. إحياء واعتماد تراث الأئمة السابقين، وعدم الاكتفاء بالمعاصرين.
٥. محاولة استعياب الخلاف السلفي الداخلي وإنزاله منزلته بما يحقق الاشتراك الكلي قدر الوسع.
٦. التصدي العلمي والدعوي لكل أنواع الانحراف الفكري والسلوكي غلوا وتفريطًا.
٧. إطلاق برامج علمية متميّزة في عامتها (الضبط والإحكام والمنهجية)،ولاقتْ أثرًا ونفعًا كبيرًا وقبولا جماهيريا غفيرًا، وهذه أوسع عملية تصحيحية مباركة.
هذا العرض على سبيل المكاشفة مع القوم المتفرّغين للذم، والذين شغلهم الشاغل ما لدى السلفية، وهو كذلك لأصحابنا بأن التطوّر العلمي والبحثي والمنهجي مطلوب جدًا بأكثر مما عليه الآن، وهذا بطبيعة الحال يسهم في رفع الراية فيما أصابوا فيه ، وتصويبه فيما يخطؤوا فيه (والكمال لله) .
وأختم بأبرز اللذائع الخاطئة من قِبل المخالفين ، والتي تمارس وتجد ثناياه بين الحين والآخر:
١) “التعميم” المرفوض في معايير النقد المنصف.
٢) “التشويه” المصطنع من مفردات الاختيارات أو القناعات أو الإلزام بما لا يلزم .
٣) “السلطة السياسية” لمواجهة الأفكار ، ولا أعلم لبعض الاتجاهات المخالفة في العقيدة قوِيت بغير ذلك، والتاريخ يشهد.
٤) محاولات “الإسقاط المتكرٌر” لرمز ابن تيمية رحمه الله الذي أحدث ولا يزال بعبعا في نفوسهم.
وغير ذلك كثير، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، وختاما : ليت الإنصاف يلبسه جيدًا من يدّعيه، وليت الإفراط والغلو يخلعه بحق من يقع فيه ، ولم يكن نقد منهج يوما يبرّر الكذب فيه، ولا التلبس بغيره طريقا صحيحًا لخلع ربقتنا عنه.
والله الهادي إلى سواء السبيل .
*باحث شرعي أردني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى 
