بقلم: أنس رصرص*
المغرض فقط من يشكّك في ذكاء الشيخ بسام جرّار ،وفي ثقافته الموسوعية ، وفي كونه أحد أكثر المطّلعين بتركيز شديد على الأفكار والثقافات المختلفة، أو في قوة ملاحظاته وسرعة بديهته، أو في شديد تأثيره وطنيّا وفكريّا في جيل ملأ ساحات الشرف بالألوف فوق التراب وتحته .
معلوم أنه كان أحد أقوى المتصارعين فكريا مع الماركسية في سبعينيات القرن المنصرم، وأنه استطاع أن يهضمها أكثر من أتباعها، فكانت له اليد الطولى في نقدها فكريا وتاريخيا وفيزيائيا ومنطقيا، حتى سلّم له الماركسيون بذلك .
ثم تفرّغ للتحليل السياسي، بعد أفول نجم الماركسية في بلادنا، فكان الأبرز بين المحلّلين ، وشهد له بذلك سياسيون كبار من أمثال: عزمي بشارة ،وأحمد قطامش ، وعبد الستار قاسم ،وغيرهم .
ثم بدا للشيخ بسام أن يعطي أكثر وقته للنظر في القرآن الكريم ، تفسيرا وردّ شبهات واستنباط معان غفل عنها الناس ، حيث إن الدراسات المتعلّقة بالقرآن، هي الأكثر إلحاحا وقربا من احتياجاتهم، والأكثر بقاء وملامسة للقضايا الكبرى والاستيراتيجية، إذا ما أعطيت حقها من التأصيل والتنزيل على الواقع المعاش .
وقد لاحظ الشيخ لدى إمعانه النظر في الآي الحكيم ، توافقات رقمية عجيبة ، تتعلّق بقضايا تاريخية كبرى وبقضية العصر ، فأخضع المسألة لمزيد من النظر ، فتوالت التوافقات الرقمية تباعاً وبالعشرات دون ان تخرم ولو بحالة .
ولما كان القرآن لدى المؤمنين به معجزا في بنائه اللغوي وتركيبه البياني ، وكل آيِهِ وكلماته وحروفه في مواضعها توقيفية كما أُنزلت، كان من العبث المرور على تلك المتوافقات الرقمية مرور الكرام باعتبارها صدفة، علما بأن احتمال الصدفة في هذا الأمر دون الصفر لمن لديه معرفة أو إلمام بقوانين الرياضيات .
وهذه المتوافقات لا يتأتى مثلها ولا قريب منها ولا بعضها في أي كتاب آخر سماويا كان أم بشريا على اختلاف مواضيع الكتب .
انتقد العديد من الناس النتائج التي خلص إليها الشيخ بسام، إما لرفضهم منهجه باعتبارهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بكونه إلهي المصدر، أو أنهم مؤمنون، لكنهم اعتقدوا أن النتائج التي توصّل إليها الشيخ ليست إلاّ رغبة مستبطنة عنده ، أجهد نفسه في البحث عن شواهدها من القرآن الكريم بدوافع رغبوية ، دون أن يسعفهم التدليل على ذلك بأمثلة، وآخرون رفضوا منهجه وهم يحومون حول الفكرة دون أن يتمكّنوا من سبرها ونقدها بمنهجية واضحة ، وكنت قد سجّلت ملاحظتي قبل سنوات عدة ، أن هذه التوافقات العجيبة ينقصها القانون الرياضي ، الذي يَنْظُمُ شواردها .
وهنا أسجّل رأيي أن الأستاذ طارق أبو حمزة، هو أكثر من وقفت له على نقد علميّ تناول صلب القضية بأمثلة واضحة يمكن تسميتها منهجية .
كان أساس فكرة الشيخ بسام لمن تابعها منذ عقود، أن عام 2022 بداية النهاية ، لكن شدة الحماسة للفكرة عند الشيخ وعند الناس جعلته يتحدّث بلغة قد لا يَميز فيها السامع بين النهاية وبداية النهاية ، وازداد الحماس لدى الشيخ حين استعجل أمرا كانت له فيه أناة ، بتحديد شهور معيّنة تعسّفت على النص الأصلي في كتابه ( حقيقة قرآنية أم صدف رقمية ) .
ولقد كنت أوضحت في أكثر من منشور شأن غيري ، وفي العديد من التعقيبات على منشورات الأصدقاء ، أن قراءة الشيخ بسام جهد بشري، يصيب ويخطئ ، وهو محاولة لفهم حقيقة قرآنية ، وهو ليس مشروعا سياسيا ولا استيراتيجيا لأي طرف .
لكن هذا الفهم ليس القرآن عينه ، وأي خلل قد يقع في هذه الدراسة فمردّه إلى الخلاصة والنتيجة التي توصّل إليها الباحث ، والتي قد تكون أمرا آخر غير النهاية أو بداية النهاية، أو إلى تحميل هذه التوافقات الرقمية ما لا تحتمل من المعاني والدلالات التي توصّل إليها.
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى