بقلم : عبداللطيف العلوي*
بعضهم يعتبرونني مدّاحا للغنّوشي “السّفّاح قتّال الأرواح”، وبعض الّذين يحسنون بي الظّنّ يعتبرونني مجرّد غرّ مخدوع ويشفقون عليّ من اليوم الّذي سوف أكتشف فيه حقيقته، وجميعهم يحتجّون عليّ دائما بأنّني لا أنقده بما يشفي غليلهم كي يمنحوني شهادة البراءة من تبعيّة الغنّوشي!
مشكلة هؤلاء ليست كوني لا أنقد الغنّوشي، مشكلتهم أنّني لا أنقده بعقل الرّحوي والتبيني وعبير موسي وفاطمه المسدّي ومباركه البراهمي والناصر العويني وساميه عبّو وهيكل المكّي والرّدّاوي ولطفي الغراب وجريّده ووفاء ساطور والدّاكس وبديده! (هذا إن كان لهم عقول!)
مشكلتهم أنّني أنقده بعقلي أنا، فلا أرى فيه إرهابيّا ما لم ير القضاء ذلك، ولا أرى فيه فاسدا أو لصّا مالم ير القضاء ذلك، ولا أصدّق حكاية السّبعلاف مليار ،ولا الجهاز السّرّي، ولا فشله في رئاسة مجلس النّواب ،لأنّي كنت حاضرا وأعرف ما حدث يوما بيوم ،وأعرف من تواطأ مع من ومن غدر بمن ومن كذب على من ومن دجّل ومن ردح وشطح ونطح… وأعرف من ذبح المجلس والثورة والبلاد كلّها من أجل أن ينتقم فقط من الغنّوشي!
مشكلتهم أنّني حين أنقده أنقده بعقلي أنا، ومشكلتهم الأكبر أنّني حتّى ولو نقدته ألف مرّة، وأنصفته في مرّة واحدة، فإنّني بالنّسبة إليهم سأكون تابعا لسيدي الشّيخ، لأنّهم في عرفهم هو شيطان رجيم، ولا يعترفون إلاّ بنزع كامل لأيّ صفة من صفات الإنسان عن هذا الرّجل la déshumanisation totale . ولذلك لا يقبلون فيه كلمة حقّ واحدة، ولا نقدا سياسيّا بشريّا كالّذي يوجّه للبشر، ويظنّون أنّه بأساليب التّبكيت والتّرذيل يمكن أن يحصلوا معي على مايريدون!
أنا نقدت كثيرا قراره بالخروج من منطقة الظّلّ والتّرشّح إلى عضويّة البرلمان ثمّ إلى رئاسته، واعتبرت ذلك قرارا سياسيّا كارثيّا، ليس لسبب في شخصه ،وإنّما في محيط سياسيّ متربّص ومعاد تماما لشخصه ورمزيّته، ووصفته بأنّه كالجنديّ الّذي غادر الخندق وصار مكشوفا فانهال عليه الرّصاص من كلّ جهة!
نقدته سابقا في استراتيجيا التّوافق الّتي لم يخضها على أساس أنّها معركة يحتفظ فيها بأسلحته وأسباب قوّته ووسائل ضغطه، وإنّما دخلها أعزل بعد أن تجرّد من كلّ سلاحه ،فكان توافقا ذليلا أشبه بالتّذيّل، دفع في سبيله فاتورة باهضة دون أن يربح أو تربح البلاد شيئا!
نقدته مرّات كذلك طيلة السّنتين الفارطتين ،لأنّه رضخ للابتزاز أكثر من مرّة من كتل الغدر، وأسقط معارك ضروريّة كان يجب أن نخوضها ،مثل: معركة تحرير الإعلام ،وتغيير النّظام الدّاخليّ، وقبل بأن يفرّغ المجلس من مهامّه التّشريعيّة الكبرى على أمل إرضاء من لا أمل في إرضائه!
ولكن الفرق أنّني أنقد أداء سياسيّا، قد أكون مخطئا فيه مثلما قد أكون مصيبا، دون أن أنسى أنّني أنقد رجل فكر ونضال طويل ورجل أخلاق لم أسمعه يوما طيلة عامين يذكر بشرا بسوء، حتّى أولئك الّذين لو ظفروا به لشربوا من دمه!
أنقده وأنا أعي أنّني أقف أمام تجربة في مقارعة الاستبداد بحجم جبل، فلا ينقص ذلك من مقامه ولا يضعف من حجّتي!
أنقده وأنا متحرّر تماما من لوثة الخنازير المؤدلجة، ولديّ كلّ الشّجاعة لأن أعترف له بعد دقيقة واحدة بصواب الاختيار في موقف آخر، وهذا هو المعنى الحقيقيّ بالنّسبة إليّ لأن تكون حرّا وعاقلا ومنصفا.
العقلاء والمنصفون والأحرار وحدهم سيفهمون ما أقول، أمّا قرود السّرك الشّعبويّ والايديولوجيّ وأولاد الحرام السّياسيّ، فسأظلّ أنظر إليهم بكلّ احتقار وازدراء وقرف، من فوق أنفي الكبير، الكبيييير جدّا وللّه الحمد.
* نائب في البرلمان التونسي عن كتلة ائتلاف الكرامة
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى