بقلم : طارق أبوحمزة
غزّة لن تحرّر فلسطين، بل إن الفلسطينيين وحدهم لن يحرّروا فلسطين…
الخلل في فهم هذه البديهة، أورثنا تصوّرات وتوقّعات تربك أكثر مما تنفع.
غزّة، هي نموذج نجاح مذهل لفكرة “المقاومة”، بل إنه يكاد يكون نموذجا معجزا… وكذلك قدرة الفلسطينيين على مواصلة مقاومتهم، حتى بعد مئة عام من وصول الاستعمار الغربي لقلب بلادنا..
ولي قناعة، أن أصل كل هذا الصمود والنجاحات، له علاقة بالبركة التي أوضعها الله في بيت المقدس وأكنافه.. وفي النصر الموعود للطائفة التي تحدّث عنها رسول الله ﷺ.
لكن يا أحباب، لا تغرّنا هذه النجاحات والبركة عن فهم الصورة الكاملة..
المشروع الصهيوني، هو مشروع ضخم واستراتيجي للنظام العالمي الغربي، مشروع سيحميه الغرب إن تعرّض للخطر، فهو قبل استهدافه به لفلسطين، استهدف به أيضا الأمة ككل من خلال زرع هذا الكيان في قلبها..
لا توجد مقاومة في العالم لها القدرة على اجتثاث هكذا مشروع وحدها، فما بالك إن كانت محاصرة في منطقة صغيرة جدا من العالم، منطقة هي أصغر من حي في مدينة كبرى.
المقاومة (في غزّة وفي كل فلسطين) لها دور تعطيل هذا المشروع، ومنع تجذّره وتمدٌده ،بل وفرض تراجعات معيّنة عليه، وايضاً لها دور فضح وتفكيك تحالفاته ومصالحه المتبادلة مع عملاء وطواغيت المنطقة، ولها دور منع المزيد من الخسائر في فلسطين (كخسارة المسجد الأقصى بتحوّله لهيكل).. ولها دور بث الإلهام والهمة والعزم في نفوس أبناء هذه الامة، وحثّهم على تغيير حالهم وتغيير منظومات هذا العالم الظالم..
كل هذا هو دور المقاومة.. وهي والحمد لله تقوم به بشكل رائع…
لكن لا يجب ان نرتبك..
فلسطين ستحرّرها تماماً أمة مسلمة حرُة أمة تخلّصت من ارتباكها بشأن هويتها، وتخلّصت من طواغيتها العملاء الذين يحكمونها، وتخلّصت من فرقتها وفشلها..
هذا التصوّر ، هذه الخطة، كانت دائما هي الأصل في أدبيات المقاومة الإسلامية في فلسطين…
لكن الأمر تغيّر نوعاً ما في السنوات الأخيرة… لأسباب منها، الاحباطات التي أعقبت فشل الامة في التخلّص من طواغيتها أثناء الربيع العربي، ومن جهة أخرى الإنجازات البطولية المذهلة للمقاومة هنا.. مما رفع سقف التوقعات بشكل عاطفي منفصل عن الواقع تماماً، وأيضاً للأسف بعض التصوّرات الخاطئة لتفسير بعض آيات القران وما تحمله من أماني.
لكن لا بد دوماً من العودة لفهم حقيقة الأمور..
التوقّعات غير الواقعية، ليس فقط قد تحبط الناس في ظروف معيّنة، كما حصل بالأمس، بل انها تورث قرارات وخيارات خاطئة، كتواكل كثيرين منا في القدس والضفة على قدرات غزة ، وكمثل التصوّرات التي تقلّل من أهمية تخلّص إخواتنا في الدول العربية من طواغيتهم، أهمية لا تقل في حقيقتها عن تحرّرنا من محتلينا الصهاينة..
لن نتقدّم إن لم نفهم أين نحن في الواقع، وما هي خطتنا الحقيقية الممكنة ؟
* باحث فلسطيني في العلوم السياسية والعلاقات الدوليٌة
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى