بقلم : م. علي البغدادي*
(الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)
عندما كانت قضية الساعة في مكة المكرمة، هي قضية الإيمان، وإبان احتدام الجدل حول العقيدة بين المسلمين الأوائل والمشركين..
ولما كان الروم في ذلك الوقت أهل كتاب دينهم النصرانية، وكان الفرس غير موحّدين ديانتهم المجوسية، فقد وجد المشركون من أهل مكة في هذه الحرب العالمية، فرصة لاستعلاء عقيدة الشرك على عقيدة التوحيد،بما سينعكس محليّا على المشهد في مكة.
كان المكّيون متابعين للأحداث العالمية، خصوصا وأنه سيكون لها انعاكاساتها على وضعهم ، وكان سيدنا الصدّيق أبو بكر أحد المنافحين عن عقيدة التوحيد، ولما نزلت هذه الآية التي تبشّر بانتصار الروم في بضع سنين، فقد طار فرحا بهذا الفأل، وأخذ يراهن المشركين على ذلك.
لم يكن انحياز أبي بكر للروم، يعني أنهم جيّدون، أو أنه كان يواليهم، أو يتبنّى مواقفهم وسياساتهم،وإنّما كان إدراكا لتوازن القوى الدولية، وأن انتصار الدولة المجوسية يعني إخلالا بهذا التوازن.
ورغم هذا الموقف من أبي بكر الصديق، إلا أنه كان أول عمل يقوم به بعد خلافته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، هو إنفاذ بعث أسامة،فقد كان اشتباك المسلمين عسكريا مع دولة الروم سابقا على اشتباكهم مع دولة الفرس، على الرغم من أنهم سبق وأن فرحوا لانتصار الروم على الفرس.
أليست هذه دعوة للتأمّل؟
يحزن المسلمون لهزيمة الروم ويفرحون لانتصارهم بعد ذلك، ثم عندما يستقوون، يرسلون جيشهم لحرب الروم قبل أية دولة خارج الجزيرة!!
درس في فهم آلية التعامل مع ميزان القوى الدولي .. لقد كان انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي كارثة جيوسياسية على العالم وعلى منطقتنا تحديدا .. وخسرنا الكثير بسبب اختلال التوازن.
إن سنّة التدافع بين الناس هي سنة كونية: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وأن قيمة العدل تتحقّق بشكل أفضل عندما تسود سنّة التدافع، وأن الظلم ينتشر عندما يحدث الخلل في هذا التوازن
ولا يعني ذلك أن هذا الطرف أفضل من ذاك، فالعالم ثنائي القطبيّة أفضل من العالم أحادي القطبية ، والعالم متعدّد القطبية أفضل من ثنائيها.
يجب أن ننظر للمشهد بشمول ، فتطبيق العدل والظلم هي مسألة نسبيّة، والنظرة المجتزأة غير كافيّة.
- كاتب وناشط سياسي فلسطيني.
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى