بقلم : م. عصام السعدي *
وأنت تشاهد ما يجري هناك بالقرب من أوكرانيا ، وتسمع ردود الفعل عليه، فإن عليك أن تتذكّر، وعليك أن تسمع وتشاهد وتعيش مقتلة المسلمين،في الهند، والصين وبورما، وإفريقيا الوسطى، وفلسطين، والعراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وغيرها، مقتلة تحدث لهم، فقط، لأنهم ولدوا مسلمين ( لا تحدّثوني عن أسباب أخرى، فأضعاف تلك الأسباب موجودة عند غير المسلمين) …
وعليك أن ترى نهب ثروات المسلمين،وتدمير بلدانهم، وثقافتهم، وماضيهم، وحاضرهم، ومستقبلهم، واختراع كل أنواع وأشكال المصائب لهم، وحماية أنظمتهم الظالمة، من قبل الدول الكبرى (كل الدول الكبرى)… وعليك أن تشاهد دعم العالم ( كل العالم ) لقيام دولة الاحتلال على أساس دينيً، كوطن قومي لليهود على أرض فلسطين ( كل فلسطين ).
ثم عليك أن لا تكتب منشورا، كهذا، تنتصر أو تشير فيه إلى هؤلاء المسلمين المظلومين، وما يتعرّضون له، لكي لا تتّهم بأنك متعصْب دينيا، ومتخلف، وخارج العصر، وغير متحضّر بالمرة.
بل عليك أن تؤمن، إيمانا قاطعا، مانعا، أن منظومة قِيَم الدول الكبرى، تقود هذا العالم، على أسس من حقوق الإنسان، والديمقراطية، والعدالة، والمساواة – كما تدّعي هذه الدول الكبرى ليل نهار-، وعليك أن تؤمن أن هذه المنظومة علمانيّة جدا، وتفصل بين الدين والسياسة. عليك في الحقيقة، أن تتّهم نفسك، إن فشلت في الإيمان بعلمانيّة الدول الكبرى، وعليك أن تنسى أن دولة الاحتلال قامت وتقوم وتستمر على أساس ديني، وأن تصدّق أنها دولة علمانية وسط دول شعوبها من المتعصّبين دينيا.
وفي الواقع، إن عليك أن تكون بلا قِيَم تختلف عن قِيَم الدول الكبرى، وأن تنمسخ كتابع لهذه الدول (الكبرى دائما)، وأن تسبّح بحمدها، بكلّ إخلاص، لكي تراك جديرا بحياةِ تابعٍ مضبوع بها وبمنظومتها… إن عليك مثلا أن تؤمن أن المثليّة أمر طبيعي وأن الأسرة التي تقوم على زواج رجل برجل، أو امرأة بامرأة، أمر طبيعي جدا، بل ربما عليك أن تشجّع هذا الأمر، وتروّج له وتحميه وتحتفي به وتطالب بإقراره في قوانين بلدك المتخلّف!.
ثم إياك أن تظنّ، أن هناك مؤامرة على بلادك، وعلى هذه الكائنات (البائسة) المسمّاة بالمسلمين، وإلا فتهمة الإيمان بنظرية المؤامرة بانتظارك، وستلتصق بك، وربما ستلتصق بأحفادك.
ثم، بعد كل هذا، عليك أن ترقص سعيدا، وتتنطّط مع السعادين (القرود)، في الغابة الخلفية للدول الكبرى، ولا تنس أن تترك عورتك مكشوفة للريح ( أي ريح مهما كانت)، كأي سعدان مرح، يلقون له قشور موز مائدتهم، فيسبّح بحمدهم.
وأخيرا وبعد كل هذا، وغيره، فلك أن تُسمّي نفسك مثقفا عربيا، حُرّا، متنوِّرا وتنويريّا… ولك أن تأمل بالشهرة والجوائز والتكريم، كسعدان فهمان، ومبتهح بخيبتك وعبوديتك!.
ثمّ عليك أن تصدّق أن تهمة الإرهاب تليق بك، ويمكن أن تلتصق بك بسهولة، ما دمت لا تمتلك بشرة بيضاء وشعرا أشقرَ وعيونا زُرقا… ولديك ثقافة لا تُرضي دول شمال الأرض ( المتحضّرة) جدّا.
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).
زر الذهاب إلى الأعلى