بقلم : عبيدة عامر
بعد وفاة الشيخ جودت سعيد رحمه الله ، عاد نقاش السلمية والعسكرة ، الذي استمر طيلة الأعوام الثلاثة الأولى من الثورة تقريبا، بصيغة النقد لمآلات العسكرة ،من حيث إنها لم تحقّق الأهداف المرجوة منها وأوصلتنا لما نحن عليه، وهذا برأيي – مع احترامي للأصدقاء الذين يتبنّون هذه الفكرة – ينطبق أيضا على السلمية، من حيث يمكن أن نقول إنها لم تستطع أن تتجنّب عنف النظام، ولا حماية الناس، ولا تهجيرهم.
لنبدأ بالكلمات. “السلمية” و”العسكرة”، ليست كلمات محايدة، وتحمل انطباعاتها الأولى (السلمية مرتبطة بالسلام بشكل مباشر، والعسكرة بالعسكر) ودلالاتها، وهي أضيق مما يراد النقاش حوله.
النقاش حول اللاعنف والعنف، وهو نقاش تاريخي طويل بجذور ترجع حين قرّرت جماعة ما في قرية نهرية أن تتنازل عن حقها بالسيادة لصالح “شيء” قرّرت أن تسميه “الدولة”.
هذا النقاش، ليس مرتبطا بدين أو أيديولوجيا ما، فهناك عنف يساري وعنف ديني وعنف إسلامي وغير ذلك، كما أنه ليس محصورا بـ”شكل ما”، فهناك عنف الجماعات، وعنف الجيش ،وعنف العصابات، والأهم، أنه ليس حصرا بشكل ما من الحرب، إذ يحصي الدليل الصادر عن مشروع ارتباطات الحرب (Correlates of War)، أحد أهم مشاريع دراسة وإحصاء وتحليل الحروب، تسعة أنواع رئيسة للحروب، بين الدول بنفسها، وما بين الدول والفاعلين خارج الدول، وما بين الفاعلين أنفسهم، ولذا فمن غير المنطقي ولا التاريخي أن نحصر قولنا، مثلا، بأن “العسكرة لا يمكن أن تكون إلا بانقلاب أو بدولة ضد دولة”. هذا ما نرجوه، لكن الواقع، كان دوما، غير ذلك.
في الواقع، العنف هو جوهر الدولة، ما دامت هي القادرة على احتكاره. هذا تعريف (ماكس فيبر )الشهير ،والذي ما زال المستخدم والمتداول بشكل واسع، ولذا فانتزاع الحق بالعنف أو كسر احتكاره هو نزع لشرعيتها، وهو حق لا يقل عن الحق بتداول السلطة (بالانتخابات أو غيرها) أو السيادة أو الشرعية، السمات الأخرى للدولة. حين نزلنا إلى الشوارع ، كان الهدف هو كسر احتكار السلطة، وبشكل مشابه، حين حملنا السلاح كان الهدف هو كسر احتكار العنف.
حين ننظّر للعنف على مستوى أنطولوجي/ وجودي هكذا، كما تُنّظر له (حنة أرندت) وغيرها، فنحن لا ننظر له فقط كوسيلة ضمن وسائل متعددة لتحقيق هدف ما، أي كمجرد تكتيك (كما ينظّر له الثوريون مثل فرانز فانون أو تشي جيفارا مثلا)، وضمن هذا المستوى، يمكن أن نسأل ما هو الأفضل: السلمية أم العسكرة، وهل كل عنف هو عنف قانوني (من المظلومين بوجه الظالمين)، لكن هذا لا يأتي إلا ضمن ظروف وشروط سابقة، لا ينطبق أي منها في سوريا.
ليس هذا دفاعا عن “تجربة” العنف في سوريا، لكنه دفاع عن الحق به، على الأقل.
*كاتب سوري
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)