بقلم : صهيب بوزيدي *
توفّي الشيخ صالح اللحيدان، عضو الهيئة السعودية التي سمْوها بهيئة كبار العلماء.
رحمه الله وغفر له على كل حال، سواء اتّفقنا معه أو اختلفنا، فقد ذهب إلى خالقه، والموت يليّن القلب ولو مع المخالف، ولا ندري ما صنع مع ربه في أواخر حياته،فلعلّ الله يدخله الجنة، ويغفر له أخطاءه التي قد وقع فيها، بسبب عدم اكتمال الصورة الواقعية عنده، خاصة وأننا نعلم أن أعضاء هذه الهيئة يتلقّون فقه الواقع من الحكومة السعودية، ولا يسمعون إلا ما أراد الحاكم لهم أن يسمعوه، وقد يكون من الأدلة على ذلك ،عدم علم اللحيدان بوجود هيئة الترفيه في السعودية، فلمّا أخبروه عنها ظنّها من فعل بعض الناس، فدعا الله أن يوفّق ولاة الأمر بالقضاء على هذا الفساد،ولم يكن يعلم أنهم أصحاب الهيئة أصلا.
كذلك لما تكلّم عن الإخوان المسلمين، قال بأنهم يحالفون بشار الأسد في سوريا، وهذا من العجائب، فهو لا يعلم أن أصحابه قد وصفوهم بالخوارج، بتهمة الخروج على بشار الأسد.
وكذلك لما أجاز الخروج على القذافي، استدل بأمثلة غريبة منها، أن القذافي أساء الأدب مع مشايخ المملكة إذ قال لهم: (عندكم أضرحة في السعودية وما عندنا أضرحة في ليبيا)،كذلك قول اللحيدان بأن الإخوان المسلمين يحرّمون مخالفة قول المرشد، وهذا يدلّ على أن معلوماته في أحسن الأحوال قديمة جدا، إن لم نقل إنها خاطئة من أساسها، فالإخوان اليوم مستقلون بآرائهم، والقاعدة الذهبية عندهم (نتعاون على ما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، وهذه القاعدة موجودة منذ نشأة الإخوان، إذ أسسها حسن البنا، فكيف يتهم هؤلاء بتحريم مخالفة المرشد، وهم يؤصّلون لفقه الخلاف فيما بينهم ؟ لعلّه أراد أن يصف حال المداخلة، فاختلط عليه الأمر بينهم وبين الإخوان.
وبناء على هذه المعلومات الباطلة، حرّم الانتماء للإخوان المسلمين، لأنهم ضالون بالنسبة له، ومن عجائب فتاواه قوله:(لا يجوز انتقاد الحاكم حتى ولو أذِن هو أي الحاكم نفسه بذلك ولا يجوز له أن يسمح للمحكومين بانتقاده بل الواجب منعهم) ،وهذه الفتوى توجب على الحكام قمع كل الآراء المخالفة لهم من الشعب ،والقمع عندهم لا يكون إلا بالسجن والتعذيب والقتل، وإلاّ فكيف سيمنع الحاكم المحكومين من انتقاده بغير تكميم أفواههم ؟ فهذه الفتاوى هي التي تساعد ابن سلمان على اعتقال العلماء وتكميم الأفواه،وكيف لا يفعل وهو يجد من يشرعن له ذلك بل ويوجبه عليه ؟ لا أقصد أن ابن سلمان ممن يهتمون بالفتوى أصلا،وإنما استغلاله لهذه الفتاوى،حتى يبرّر موقفه أمام شعبه دينيا ،وهذا يذكّرنا بالعصور المظلمة في زمن أوروبا، التي مورس فيها الكهنوت بصورة مماثلة حتى انفجر الناس في ثورة رفضوا فيها حكم الدين لهم أصلا واستبدلوه بالعلمانية.
قد يقال لي : “ألم تجد وقتا تقول فيه هذا الكلام إلا يوم موته ؟” فأقول: “قد قلته قبل موته في هذه الهيئة التي يُعدّ اللحيدان أقدم عضو فيها لمّا أفتت بتصنيف الإخوان جماعة إرهابيّة،، ومعلوم أن كل مسجون أو معتقل أو مقتول من الإخوان المسلمين، فإنه سيحاسبهم على هذه الفتاوى التي برّرت للظلمة فعلتهم به”.
قد لا يحسّ المرء بخطورة هذه الفتاوى، وهو يعيش في بلدان آمنة لا تكترث بمثل هؤلاء المفتين المأجورين (على وزن القاتل المأجور الذي يقتل مقابل المال، فكذلك هؤلاء يقتلون بفتاواهم مقابل القصور والأموال،وقد اعترفوا بأنفسهم أن الدولة رعتهم وأنفقت عليهم نفقة خاصة، مذ كانوا تلاميذا في الابتدائية، وهيّأتهم لهذا الأمر ،وانظروا لذكر كل واحد منهم سيرته في لقاءات مباشرة، وهم يكرّرون فلا يجحد فضل الدولة إلا جاحد).
قد يبدو كلامي قاسيا بالنسبة لشخص قد مات للتو، فأقول إن الكلام غير موجّه إليه لأنه مات أصلا، وإنما الكلام موجّه لمن قد يغترّ بموته ، فيجعل منه أيقونة ومرجعية،فيخلط بين عاطفته تجاه شيخ كبير في السن ذهب إلى ربه ،وبين ما تركه للناس من فتاوى تحجر عليهم عقولهم، وتملّك رقابهم لبعض اللوبيات الحكومية المواليّة لأمريكا والكيان الصهيوني،المعادية للمتديّنين بكل أصنافهم، إلا من عمِل عمَل الكاهن المثبّت لعرشهم.
وإلاّ فليسأل كل عاقل يتفق معي على أن ابن سلمان ظالم مكمّم للأفواه، لماذا سجن ابن سلمان كل أولئك العلماء،بينما يُكرّم هذا الشيخ ومن معه ،وقد يُقبّل حتى رؤوسهم كما فعل مع الفوزان ؟ إنه يقبّل رأس من يحفظ له ملكه ،ولا يُقبّل رأسه لأجل علمه ولا مشيخته، فلو كان يحترم العلماء لما أهانهم وأذلّهم في السجون، في الوقت الذي يكرّم فيه المغنين الذين يستقطبهم من أمريكا وغيرها، ويهديهم الفيراري ولامبورغيني وغيرها من الهدايا.
وأخيرا أقول: قد أعذر الشيخ باستغفال الحاكم ،له وقد يكون صالحا عند الله معذورا بجهله بالواقع والسياسة ولكن ذلك لا يعني قبولنا لفتاواه أو منهجه الذي يعين الظلّام على أهل الخير والصلاح.
ويكفي أن أسعد الناس بمنهجه ربيع المدخلي ،الذي قال (لو مات الشيخ الفوزان أو الشيخ اللحيدان ،لصارت الدنيا مظلمة وأسأل الله أن أموت قبلهما)،وذلك لأنه يعلم أنهما آخر من بقي من المشايخ الذين اعتمد ربيع على تزكياتهم وثناءاتهم.
بعض الناس، يحاول تبرئة الفوزان واللحيدان من المدخليّة، وأعترف أني كنت من هؤلاء الناس في يوم من الأيام، إلى أن سألت نفسي هذا السؤال: ((لماذا عليّ أن أستخرج ما بين السطور من كلامهم، لأبرئهم منه وهم أحياء،يعلّمون انتساب المدخلية إليهم، ومع ذلك يصرّون على تزكيتهم والثناء عليهم؟ قد يخالفونهم في بعض التفاصيل التافهة التي لا تهمنا، ولكنهم يتّفقون معهم على المنهج العام الذي يثبّت عروش حكام السعودية جيلا بعد جيل، وليس المقصود من قولي “يثبّتون عروش حكام السعودية” أني أود خروج الناس عليهم هناك، فهذا لا أقوله بأي حال من الأحوال، لأني أعلم أن الخاسر الأكبر هو الشعب الضعيف المسكين، وإنّما بمثل هذه الفتاوى يزداد الحكام طغيانا، فلا يخفّفون من طغيانهم، ولا من ظلمهم ، ولا يخافون من الرأي العام لأن هناك من يجيز لهم أفعالهم، ويسفّه أعداءهم باسم “قال الله قال الرسول” والأمر يتعدّى السعودية، بل يبلغ بقية الدول التي يشبه حكامها حكام السعودية ،فتنتقل الفتاوى إليها فيزداد الظالمون طغيانا)).
فمن قال إن الحكام لا يحتاجون إلى هذه الفتاوى، فليسأل نفسه عن سبب إجبار ابن سلمان الأئمة والخطباء على تعميم فتوى هيئة كبار العلماء الخاصة بتصنيف الإخوان بالجماعة الإرهابيّة، ثم التبليغيين في خطب الجمعة ؟!
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى