بقلم: سامي براهم *
في إحدى المكالمات التي عرضتها قناة( البي بي سي)للرّئيس المخلوع مع وزير الدّفاع التونسي، اعتبر أنّ حراك الشّارع الذي وصفه الوزير بالانقلاب، يقف وراءه من أسماهم بـ ” الخوانجيّة “، إذ قال نصّا:” نعم الأكيد وراءه الخوانجيّة ” … ممّا يطرح الأسئلة التّالية :
*هل نسبة هذه الأحداث للإسلاميين، كان في نفس النّهج الذي نحاه قبل مغادرته للبلد حيث عمل على توجيه الأنظار نحو متطرّفين وملثّمين يقفون وراء هذا الحراك ؟
*أم يتعلّق الأمر بمعطيات مستقاة من التّقارير التي كانت تمدّه بها استعلاماته ؟
- وهل مسايرة وزير الدّفاع لهذا التّأويل، تأتي في إطار الاشتراك في نفس المعطيات،أم في إطار تحريف الأنظار والتّغطية على الجهة الحقيقيّة التي تقف وراء ما أسماه بالانقلاب ؟
في كلّ الحالات ،الجميع يعلم أن لا وجود لطرف سياسيّ أو مدني قد خطّط لهذا الحراك أو تزعّمه … بل كان حراكا شعبيّا عفويّا، انطلقت شرارته الأولى من “سيدي بوزيد” إثر حادثة حرق البوعزيزي لجسده ،ثمّ سرى كالنّار في الهشيم ، بانتقاله لبقيّة جهات البلد، حتّى وصل إلى العاصمة ليتوّج يوم 14 جانفي( كانون ثاني/ يناير)برحيل الدّكتاتور …
ليس هناك دراسات سوسيولوجيّة جادّة ،بحثت في تركيبة من ساهموا في حراك الشّارع عبر الجهات ،على امتداد الفترة الممتدّة بين 17 و 14، لكن من شاركوا في هذا الحراك ،وأغلبهم أحياء يمكن أن يقدّموا شهاداتهم على ذلك …
اللافت للانتباه ، هو محاولة صناعة سرديّة، مفادها أنّ الإسلاميين ” الخوانجيّة ” كانوا خارج حراك الثّورة ، بما يعني أنّهم بقوا في منازلهم حتّى أسقط الثوّار رأس النّظام، ثمّ تسارعوا ليقطفوا ثمار الثّورة ،ويأكلوه هنيئا مريئا ” هناني بناني “، دون أن يسهموا فيه بصرخة أو وقفة … هم سرّاق الثّورة والمنقلبون عليها، ومن جيّروها لصالحهم دون أن يكون لهم فيها موقف أو كلمة …
هي سرديّة واهيُة مفبركة على قياس الأهواء السياسويّة والأيديولوجيّة، يدرك وهنها من كانوا جزءا من حراك الانتفاض الشّارعي عبر المدن حتّى وصل العاصمة ،إذ لم تتخلّف قواعد الأحزاب وقياداتها عن هذا الحراك ،وإن لم تطلقه ولم تقده، بل شاركت فيه بتفاوت بينها في فهم حقيقة الموقف ومآلاته …
وكان الإسلاميّون في الجهات ،جزءا من ذلك الحراك،وشاهدنا حضورهم الكثيف يوم 14 جانفي( كانون ثاني/ يناير) أمام باب وزارة الدّاخليّة وفي مختلف مواقع حراك ذلك اليوم … كان حضور المساجين السّابقين وعائلاتهم لافتا، فقد كان يوما مشهودا بالنّسبة إليهم ،وهم الذين دفعوا الضّريبة الأثقل في مواجهة الاستبداد … كانت الشّعارات المرفوعة جامعة ولم يكن لها لون حزبيّ … وكانت التّوصية التي سرت قبل التحرّك ، عدم رفع شعارات ذات لون دينيّ ، حتّى لا يترك مجال لوصم الحراك بصبغة ” الإخوانجيّة ” !
إثبات حضور طرف أو غيابه عن حراك مجتمعيّ في فترة مفصليّة من تاريخ البلد، لا يجب أن يخضع للمزايدات والحسابات ،بل لمعطيات الواقع والمنهج التّاريخي في التّوثيق … خاصّة إذا كان ذلك الطّرف ليس مجرّد فصيل سياسيّ يسعه الحضور والغياب ،بل تيّار سياسيّ له امتداد اجتماعيّ في كامل البلد. - مفكر وناشط حقوقي وباحث.
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع).