بقلم : زكي سعد بني إرشيد
في لحظات التألّق الحضاري، حظي المخالفون بضمان التعبير، وحريّة الرأي، دون خوف من محاكم سلطوية أو إرهاب فكري.
” لا إكراه في الدين “، ولا إكراه في الولاء لحاكم، أياً كانت مكانته أو حسبه ونسبه .
الخليفة عثمان بن عفان – رضي الله عنه – حاور معارضيه، بالحجة والدليل والبرهان، وعندما عجزوا، لجأوا إلى السيف والعنف والتطرف والارهاب والقتل.
وفي زمن الانحطاط، كُتبت مدوّنات مسيئة، تتآمر على العقل، وتختطف النقل، وتُلغي وجوب التدافع السياسي، وتعيد تشريع جذور الاستبداد، والبغي وطاعة الإمام المتغلّب وجوباً، حتى لو جلد الظهر، واخذ المال، ونهب الثروات، وباع المقدرات.
الإمام المجتهد أبو حنيفة – رضي الله عنه – صدع برأيه في جواز الخروج على الباغي، ودعم المعارضة السياسية، لكن عملية تواطؤ خطيرة جرت لتبديل فقه الحريات السياسية في الإسلام، واستبدالها بفقه الخنوع ،ووجوب الطاعة للظالم والمستبد.
وقبل ذلك، جادل الإمام علي بن ابي طالب – رضي الله عنه – من خرج على خلافته وكفّروه، وقاتلوه.
ومع عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – ، تحقّق ما يشبه الإجماع على تعظيم الحرية السياسية، وحق المناداة، بل وتبنّي. عزل حكام الجور والظلم، ثم خلف من بعده خلوف، شهدت تاصيلاً معوجاً، وتوظيفاً مضللاً لتحويل الخلاف السياسي إلى خلاف مذهبي، هدم ركن الشورى وأقرَّ البغي والظلم وصادر حق الأمة باعتبارها مصدر السلطات، وفي حقها باختيار من يحكمها أو عزلهم.
ولا زلنا وسنبقى ،نعاني من تحالف السلطة وأدواتها الخبيثة، لأن الحرية التي تولد مع الإنسان، حق أصيل لا يجوز التنازل عنها، أو التجاوز عليها.
الحرية عنوان لكرامة الإنسان ، لا تُوهب وتباع ولا تشترى، وإنما تنتزع ممن سلبها في لحظات الغفلة.
* سياسي أردني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى