بقلم : أوّاب إبراهيم المصري
منذ بدأت العلاقة بين حركة حماس وإيران، والأخيرة لا تألو جهداً لاستمالة الحركة لصفّها، أو محاولة شقّ صفّها، والسعي لاستغلال مكانتها وحضورها وشعبيتها لدى الجماهير …هذه الجهود كانت دائماً تصطدم بصمود الحركة ووحدتها وتماسكها وإصرارها على استقلاليتها، والعمل لتحقيق مصلحة شعبها وأمّتها، لا مصلحة الآخرين. لذلك، مرّت العلاقة بين الجانبين بفترات حرارة وفترات برود. لكن المنعطف الأكثر بروداً تمثّل في قرار خروج حركة حماس من سوريا، بعد أشهر من اندلاع الثورة فيها. وبعد مرور سنوات على حالة الجفاء، سعى رجال طهران لتجاوز هذه المرحلة، لأن استمرار مقاطعة أكبر حركة مقاومة تواجه العدو الإسرائيلي، يضع طهران في موقف حرج، وهي التي تنادي صباح مساء بالوقوف إلى جانب فلسطين والفلسطينيين، ويكشف عن خواء الشعارات التي ترفعها. فكان المخرج بالعزف على وتر تحميل فريق أو شخص مسؤولية الخروج من سوريا وتبرئة الآخرين، والعمل على مقاطعة هذا الفريق والضغط عليه ومحاصرته، والسعي لعرقلة جولاته وإفشال زياراته، فيما تمّ الترحيب والاحتضان للآخرين.
الحقيقة التي تدركها إيران جيداً، لكنها تطمس رأسها في الرمال حيالها، هو أن قرار خروج الحركة من سوريا لم يكن قرار فريق ولا قرار شخص، بل قرار اتُّخذ بالإجماع من قيادة الحركة مجتمعة، بمشاركة قطاع غزة والضفة الغربية وقيادة السجون، بالإضافة لقيادة الخارج. وعليه، فإن محاولة إيران التصنيف والتمييز بين قيادي وآخر، والترحيب والتهليل لاستقبال فريق ومقاطعة ومحاصرة فريق آخر ،هو مخرج ساذج لتبرير استعادة العلاقة مع الحركة، طبعاً بالإضافة لمساعيها التي لم تتوقّف يوماً لمحاولة شقّ صفوف الحركة، واستمالة ضعاف النفوس فيها. وبالمناسبة فإن هذه المساعي هو ديدن “الإخوة” في إيران، ليس مع حركة حماس فقط، بل مع جميع من تعاملت معهم طهران أصدقاء وخصوماً، وربما الأصدقاء أكثر من الخصوم. فاختراق الصفوف، وشراء الذمم ،والإسقاط ،لعبة يتقنها رجال إيران جيداً، وربما لم تسلم جماعة أو حركة أو حزب في لبنان أو فلسطين وأماكن أخرى من مساعي الاختراق والاستمالة. يُبدعون بنسج العلاقات الخلفية، يحترفون التسلل، يمتازون بتجاوز القيادات الشرعية المنتخبة، ثمّ بعد كل ذلك، يتغنّون بالوحدة.
بعيداً عن السقوط الأخلاقي والشرعي والسياسي لهذا الأداء، فإن محاولة إيران إيجاد شرخ في صفوف حماس، أمر يمكن فهمه وتشخيصه. فليس أفضل لإيران، من الاستمالة والهيمنة على قرار أهم وأقوى حركة مقاومة “سنيّة” ،تحظى باحترام وتعاطف من الملايين على امتداد العالمين العربي والإسلامي …فهم هذه المساعي وإدراك مراميها ، يجب أن يدفع حركة حماس، للحرص أكثر من أيّ وقت مضى على رصّ الصفوف والتماسك، وأن يكونوا يداً واحدة، وموقفاً واحداً، وسنداً لبعضهم، وذوداً عن بعضهم في مواجهة محاولات التفريق، ورفض أي تسليم أو خضوع للتمييز في التعامل مع قيادة الحركة.
فحماس، هي واحدة لا حماسات، وستظل كذلك. حماس الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ،والمهندس إسماعيل أبو شنب. حماس كتائب القسام بقادتها إبراهيم المقادمة ،وصلاح شحادة ، ويحيى عياش ،وعمادعقل وآخرين. حماس المقاومين في غزة، والمناضلين في الضفة، والأسرى الصابرين في السجون، والمؤيّدين والمناصرين، والجماهير في الخارج. هي حماس التي عجز العدو الإسرائيلي عن شقّها واختراق صفوفها، وما عجزت عنه “إسرائيل” لن يكون سهلاً أمام “سيّد” من هنا أو “حاج” من هناك. وإذا خرج ما يوحي ببعض التباين، فإن معظمه صدر من فريق حريص على الحركة وغيور على مصالحها، مضلَّل (بفتح اللام). هذا الفريق سرعان ما ستتكشّف أمامه الصورة الواضحة، وسيُدرك أن حرصه وغيرته الصادقتين تم استغلالهما من بعض المضلِّلين (بكسر اللام).
* كاتب لبناني
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى