بقلم : بسّام ناصر
من عرف جماعة الدعوة والتبليغ عن قرب، وصاحبها في خروجها وجولاتها ونشاطاتها، وقُدّر له أن يتفيّأ ظلال بيئتاتها الإيمانية العامرة بالعبادة والدعوة والذكر، والساعية إلى التحقّق بمقام التوحيد العملي والسلوكي، وعاين بنفسه تضحيات شيوخها ورجالاتها، وشاهد تسابقهم في بذل أوقاتهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله، وخدمة دينه، قَدّر للجماعة دورها الرائد والمتميّز في التربية والدعوة وإصلاح النفوس، وإرشاد عامة الخلق، وتذكيرهم بما ينفعهم في دينهم وآخرتهم. وأعلى من شأنها وأنزلها المنزلة اللائقة بها.
عالم وخطيب وداعية معروف ممن يقدّر للجماعة دورها الدعوي والتربوي والإيماني، ضرب مثالا لما تقوم به جماعة الدعوة والتبليغ، إذ شبّهها بمن يتولىّ عملية إحضار الحجر الخام من المحاجر البعيدة والنائية، بكل ما يقتضيه ذلك من مشقّة وجهد ومثابرة، ليقدّمه إلى المعامل التي تقوم بقصّ الحجر وتشكليه ودقّه ونقشه وفق الأحجام والنقشات المتعارف عليها عند أهلها.. (طبزة، مسمسم..).. ولا يلزم من هذا المثال التوضيحي، نفي دور الجماعة في تشكيل الأفكار والرؤى والسلوكيات فيما بعد، فللجماعة منهجيتها وطريقتها وأسلوبها،ومن اقترب من مدارسها الدينية، وعلمائها الكبار في الهند وباكستان أدرك ذلك وعلمه.
لكن وللأسف،فإن ثمة من لا يقدّر للجماعة دورها الكبير والعظيم، ويهاجم الجماعة ويتهجّم عليها، حتى إن أحد أولئك الهجّامين، حينما سئل عن أثر الجماعة في إصلاح فسقة المسلمين، والأخذ بأيديهم، وحثّهم على الاستقامة، بعد خروجهم مع الجماعة، وملازمتهم لها، فأجاب: “لئن يبقى المسلم الفاسق مقيما على فسقه، خير له من أن يتلبّس ببدعة الخروج مع الجماعة، ومصاحبتها في طريقتها المنحرفة”.
واليوم تعادى الجماعة رسميا في بعض الدول العربية والإسلامية، وتمارس المؤسسات الدينية الرسمية في تلك الدول دورا وظيفيا في التحذير من الجماعة، وتفرض على الخطباء والدعاة مهاجمة الجماعة والتحذير منها في خطبهم يوم الجمعة، لأنّها معدودة عندهم من الاتجاهات الدينية الضالة والمنحرفة.. وللأسف يخنع كثير من العلماء والخطباء، لتلك الأوامر والتوجيهات، ولا يمتنعون من مهاجمة الجماعة وتحذير عامة المسلمين منها، أو مشاركتها في أعمالها وخروجها وجولاتها.
وإنه لأمر يثير الحيرة، فما الذي يقلقهم تجاه جماعة دعوية تربوية إيمانية، يعلن شيوخها على رؤوس الأشهاد، وفي دروسهم العامة والخاصة أنهم لا يتدخّلون في السياسية لا من قريب ولا بعيد، ولا يشتغلون بها، ولا ينازعون أحدا في سلطانه، وليس عندهم أدنى رغبة في ذلك أو مطمع فيه..ولا همّ لهم إلا السعيّ في هداية الناس، وحثّهم على الاستقامة على أمر الله، وملازمة طاعته، وبذل الجهد لتزكية النفوس، وإصلاح القلوب، والاجتهاد قدر الوسع والطاقة في الدعوة إلى الله..
ليت الشيوخ والعلماء والخطباء، الذين يندفعون إلى القيام بمهمة التحذير من جماعة الدعوة والتبليغ يتنبّهون إلى عظيم دور تلك الجماعة في هداية عامة المسلمين،والمحافظة على دينهم واستقامتهم، فهم على ما هم عليه أصحاب فضل كبير، ولهم جهود عظيمة في هذا الميدان، أشرقت أنوارها، وعمّت خيراتها في كثير من دول العالم العربي والإسلامي،وفي أمريكا وأوروبا وآسيا وسائر دول العالم..
ألا ليتك أيها الخطيب الذي تعتلي منبر الجمعة،لتحذّر من جماعة الدعوة والتبليغ، تتنبّه إلى أنك ستكون سببا في الصد عن سبيل الله،وحجب كثير من الخير والهدى من أن يعمّ في بلدك ومدينتك وقريتك، وليتك تصدّرت للدفاع عن تلك الجماعة، والذبّ عنها، وتعاونت مع غيرك من أهل العلم والفضل والدين لإقناع من يتولّى رسم تلك السياسات، وإصدار تلك القرارات للعدول عن ذلك كله، إن كان يريد الخير للإسلام، والهداية للمسلمين بحق وصدق.
كاتب وباحث إسلامي من الأردن
- (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى