مقالات

الفلسطيني يرفض “تشليح” اللبناني

بقلم:زاهر أبو حمدة

لا يُعرف، لماذا اختار جبران باسيل، مصطلح “تشليح”، لوصف قرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم ، في ما يخصّ عمل الفلسطينيين، ومكتومي القيد. صحيح، أن المصطلح، معترف به في المعجم العربي، لكنه يفيد بخلع الملابس وتعريّة الجسد.بتاتاً، لا يهدف الفلسطينيون إلى تعريّة أي لبناني، ولا سيّما في هذه الأجواء الباردة. لكن “اللاوعي الباسيلي”، اعتاد “تشليح” الناس انسانيتهم ، وإلباس بعضهم العنصرية بكل أشكالها المقزّزة والباليّة.
ومن دون الخوض في السياسة اللبنانية الداخلية، يكفي معرفة أن من “شلّح” أموال المودعين في المصارف ليسوا فلسطينيين، لا بل احتجزت (إن لم نقل سُرقت) أموال الفلسطينيين. وللمفارقة الغريبة، أنه بحجة السريّة المصرفية، ترفض البنوك الإفصاح عن أرقام وقيمة مدّخرات المودعين الفلسطينيين، ممن فقدوا جنى عمرهم. لكن التقديرات تشير إلى أكثر من مليار دولار أميركي.
وهناك احتمالان لموقف باسيل.الأول: أن فريقه لم يشرح له ماذا يعني قرار الوزير. هكذا ومن دون مقدّمات، اعتبر عمل الفلسطيني توطيناً مقنّعا، وسرقة للوظائف من اللبنانيين. وهنا لا بد من توضيح الأمر، وهذا ما فعله بيرم لاحقاً. فالقرار ليس قانوناً ،وبالتالي لن يتغيّر الأمر، وسيبقى الفلسطيني ممنوعاً من العمل في المهن الحرة وهي الأساسية.وهذا يحتاج تشريعاً في البرلمان، وموافقة النقابات. أما الثاني: أنه يعرف التفاصيل كافة، واستغل الأمر لشدّ العصب المسيحي، قبل الانتخابات والمزايدة على خصومه، ورفع أسهمه السياسية والشعبية. وهنا، استغلال غير انساني لقضية إنسانية في المقام الأول.وفي الحالتين، يخسر باسيل إنسانيته مرة أخرى، فحقوق الانسان ،بغض النظر عن عرقه ودينه وأصله، أهم من السجالات والمناكفات. ولذلك لا بد من سؤال باسيل: هل أنت انسان؟
وبالعودة إلى مسألة “التشليح”، وجب الذكر، أن هذا الخطاب ليس جديداً، فهو مستمر منذ جيل النكبة الأول.وفي الخمسينيات، دفع تصاعد الحديث عن التأثيرات السلبيّة للوجود الفلسطيني في لبنان على الاقتصاد اللبناني، “اللجنة العربية العليا لفلسطين” بقيادة الحاج أمين الحسيني، إلى إصدار تقرير موثّق بالأدلّة بتاريخ 18 كانون الأول عام 1959 ، حول الأرصدة المالية الفلسطينية في لبنان. وذلك بهدف إقناع اللبنانيين،أن الوجود الفلسطيني لا يشكّل عبئاً على لبنان، ولا يهدّد اقتصاده ومصالحه، بل على العكس، هو داعم حقيقي… يفيد التقرير، بأن قيمة الأرصدة المالية الإجمالية المحوّلة لصالح الفلسطينيين في لبنان ،بلغت 195 مليون ليرة لبنانية، أي أعلى بثلاث مرات من موازنة الدولة اللبنانية أوائل الخمسينيات. استفاد لبنان من رؤوس الأموال، والأصول اللاجئة، وتشكّلت طبقة رجال الأعمال الفلسطينيين من ذوي الخبرة في التجارة والقطاع المصرفي والمالي والمحاسبة والسياحة والتأمين والهندسة والبناء والصناعة. ووفق بعض التقديرات، لم تشكّل هذه الطبقة أكثر من 5% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين. أما اليوم، ووفقاً لأرقام منظمة العمل الدولية، فالحجم الاقصى للقوى العاملة الفلسطينية يقدّر بنحو 45 ألف عامل فقط، يمثّلون 3.5% من إجمالي قوة العمل في لبنان. وبالنسبة للمهن الحرة المنظمة بقوانين خاصة (المحامون والأطباء والمهندسون والصيادلة)، فإن عدد الفلسطينيين ذوي الاختصاص ليس كبيراً. ووفقاً لأحدث الدراسات الميدانية لمنظمة العمل الدولية الصادرة عام 2015، يبلغ عدد الأطباء الفلسطينيين 400 طبيب، ينتسب نحو 239 منهم إلى الاتحاد الفلسطيني العام للأطباء والصيادلة، ويعمل عدد لا بأس به منهم في عيادات الأونروا، ومستشفيات جمعية “الهلال الأحمر الفلسطيني”، بينما يصل عدد المهندسين الفلسطينيين، إلى 1200 مهندس، غالبيتهم يعملون خارج لبنان. هكذا أرقام لا يمكن أن تزاحم اللبناني، وبكل تأكيد لا يريد الفلسطيني المنافسة على الفرص إن سنحت له، بقدر ما يتمنى بعض الإنسانية إذا توافرت.

إعلامي فلسطيني

  • (المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق