بقلم: د.عبدالسلام أحمد أبوسمحة
طالما حذّرنا من الاعتماد على الأحاديث ،التي يوردها الوعّاظ في مواعظهم، فقد كثر فيها الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسبب في ذلك، أن أهل الوعظ، ليسوا أهل علم وتحقيق وتدقيق في نقد الأحاديث ،التي يستشهدون بها في معرض وعظهم، لا سيّما أن جلّ اعتمادهم فيها على ذاكرتهم،التي نشأت على القراءة في كتب المواعظ، وكتب الرقائق، ولم يؤصّلوا أنفسهم في النقد لها، ولا كلّفوا خاطرهم،التحضير والاستعداد لمواعظهم، لاسيّما وقد كثر جمهور من يستمع له.
فضيلة د. محمد نوح القضاة ،واحد من هؤلاء، الذين نقدّر جهدهم الوعظي، لكن وفي أكثر من مناسبة ،يقع الشيخ في ذكر أحاديث لا أصل لها، ولا تُعرف في كل كتب الرواية، ولا يُعرف بعضها حتى في كتب الأحاديث الموضوعة المكذوبة.
واحد من هذه الأحاديث، ما ورد على لسان الشيخ حفظه الله في مقطع مرئي بقوله:
“الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أن أبا لهب يخفّف عنه كل يوم اثنين من عذاب النار ،لأنه فرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم”.
هذا الحديث لا أصل له،بل هو حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في أي كتاب معتدٍ به من كتب الرواية، ولا حتى كتب الأحاديث الضعيفة، ولا الموضوعة، فكيف ينسب الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويصحّح.
لكن السؤال،من أين لُبِّس على الدكتور محمد هذا الخبر؟!…بعد بحث وتدقيق في متن هذا الحديث، والبحث في أكبر شريحة ممكنة من الكتب، تأكّد لي ما سبق ذكره من اعتماد الوعّاظ في وعظهم على الكتب الوعظية غير الأصيلة، والموسمية في هذا الشأن. (وفي التعليقات بيان بعض من أورده، وهذا الموارد ليست موارد أصيلة في الحديث النبوي،فلا هي من كتب المتقدّمين، ولا مما أسند الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم،ولا كشفت لنا عن مصادرها، وبينها وبين زمن الحدث أكثر من 8 قرون).
أما ما ورد في كتب الرواية،فهو ما أورده في صحيح البخاري مرسلًا:
قَالَ عُرْوَةُ : وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ.
فهذا ليس ذات الحديث،الذي يتحدّث عنه الدكتور، وهو حديث مرسل، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم وصحّ عنه،كما قال د. محمد فهو في واد، وكلام الشيخ في واد.
حديثي وردّي علنا، لأن كلام الدكتور الفاضل كان علنا، ومقطعه انتشر ،ووصلني من أكثر من أخ للسؤال عنه.
* أستاذ الحديث في جامعة قطر
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى