بقلم : ثابت عسّاف
يبدو أن الندوة التي أقامتها الجامعة الأردنية ،في كلية الأمير حسين بن عبد الله للدراسات الدولية، بترتيب من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة،لمناقشة كتاب ( من الدعوة الى السياسية : الإخوان المسلمون في الأردن : تاريخهم وأفكارهم ) لمؤلّفه د.ابراهيم غرايبة، بحضور نخبة سياسة واسعة، وبرعاية رئيس الجامعة ،وباهتمام ملحوظ على مختلف الصعد ،قد أخذت أبعادا، تحتاج لبعض الوقفات، أجد نفسي مضطرا للوقوف على تلك الأبعاد ،لا على ذات الحدث ،خصوصا بعد ورود عدد من الاسئلة والاستفسارات،
وسأنتقل سريعا لنقل بعض مما قلته ،وأشرت إليه في الندوة، ففي ثنايا الحديث، سأنقل تلك الأبعاد والمحطّات، مقرونة بموقفي وأكتفي بذلك منعا للتكرار والإطالة ،وقد قصدت التأخّر في الحديث بعد تردد ،بسبب الجو العام السائد،ولكن ما قيل ،وما أومأ إليه صراحة مدير الندوة، وكذلك إشارة عدد من الحضور، طلبا لرأيي كوني الأخ المسلم المنتظم حاليا ،والوحيد الحاضر في الندوة، دفعني لأقول ما يلي ،علما أن هذه الأقوال ،أثارت عددا من ردود الأفعال ،التي ظهر بعضها في الإعلام ،وأصبح مدار الحديث حول الندوة :
1- كيف يتم مناقشة قضية تمسّ الإخوان المسلمين، من خلال كتاب يمتلئ بالتهم والانتقاد والتقريع، في ظل غياب أصحاب العلاقة والاختصاص عن هذه الجلسة، بمشهد مخالف لأبسط قواعد المنهج العلمي في مثل هذه الحالة ،مع الأخذ بعين الاعتبار ما يلي :
أ- لقد تمّت دعوتي ،وعدد من الإخوة قيادات الحركة الاسلامية ،لحضور الندوة، ضمن سياق الحضور والمستعمين ،دون إعطاء الحق بالتعليق أو التعقيب أو التوضيح، إلّا من خلال المداخلات البسيطة المحدّدة بدقيقة أو اثنتين، ولذلك فإن غياب قيادات الحركة مقصودا، بعد مطالبتهم بإعطائهم حق التعقيب والتوضيح ،وقد تم رفض هذه المطالبة .
ب- حضوري في الندوة ،جاء من جهة أخرى ،كوني طالب دراسات عليا في كلية الأمير حسين للدراسات الدولية والسياسية في الجامعة ،وبعد تكليف دكتور المادة، لجميع الطلاب بالحضور، ضمن أنشطة المادة ، وبعد طلب شخصي من الدكتور ،عند محاولتي الاعتذار، بسبب الموقف الرسمي، بالرغم من موقعي كعضو في المكتب التنفيذي ،وأمينا للسر العام ،وناطقا إعلاميا للحزب .
ج- سأقتصر في ملاحظاتي التالية ،على النقد الأكاديمي والعلمي انسجاما مع صفة وطبيعة حضوري،ولأن الحديث عن التفاصيل المرتبطة بالمضمون كاملا،سيقزّم المشهد في هذه الدقائق المحدودة، ولن يحقّق الهدف المرجو .
2- أول ملاحظة مرتبطة بالعنوان ،ويبدو أن الكاتب الذي عاش في كنف الجماعة زمنا، لم يتوقّف عند أهم ميّزات الجماعة المرتبطة بالشمول، وأن الجماعة أول ما نادت به، هو استئناف الحياة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية،وهذا مطلب سياسي بامتياز ،والحركة لم تنتقل من جهة لأخرى ،بل أوضحت هويتها منذ اللحظة الأولى،وهي الشمول بين جميع المجالات،وقد نص على تلك المعاني، مؤسّسها رحمه الله تعالى بصراحة .
3- لقد لمست من الكتاب ،ومن مقالات وكتب الكاتب جميعها، أنه يتبنىّ رؤية وموقفا واضحا ملازما،منذ أواخر أيامه في الجماعة ،وحتى يومنا هذا،ويحاول أن ينتقي من الأحداث والشواهد التاريخية ما يحلو له ولرؤيته هذه، ويطوّع تلك الأحداث،ويفسّرها ،ويسدها، ويلوي أعناقها، لخدمة تلك الرؤية ،في مشهد يتناقض مع أبسط منهجيات البحث العلمي، الذي يقتضي السير وفق الأحداث والمعطيات،وصولا للنتائج، لا وضع النتائج، قبل بداية البحث والعمل على تجيير الأحداث، والانتقاء منها ،لبرهنة تلك النتائج المعدّة مسبقا .
4- إن المخرجات التي توصّل لها الكاتب،وخصوصا فيما يتعلّق بأفول نجم ” الإسلام السياسي” – إن صح التعبير -،تعارضه الأحداث الحالية، والتقديرات الرسمية العالمية , وكل الذين كانوا يبشّرون بما بعد الإسلام السياسي، بعد الربيع العربي ،وفي السنوات الأخيرة ، قد أفل تقديرهم ،وهاهو الإسلام السياسي بتعبيرهم،والإسلام الشمولي الحركي بتعبيري، الحاضر الأبرز، والملف الساخن على مكاتب أصحاب القرار في العالم ،وما هذه الندوة بشكلها ومضمونها وحضورها، إلا شاهدا على ذلك، وقد بشّر بذلك الأفول، أناس وأنظمة وجهات كثيرة، قبل عقود ،وقد أفلوا وما زالت الحركة تنبض بروح الأمة.
5- إن أبرز النقاط التي وردت على لسان أغلب المعلّقين، وأمتلأت بها ثنايا الكتاب المسطورة ،وما وراء تلك السطور ،وكانت القاسم المشترك الأكبر للمعلّقين، هي تلك المرتبطة بموضوع المواطنة،ونظرة الإخوان للوطن والمواطنة،ولي هنا وقفات هامة :
أ- من الخطأ علميا ومنهجيا، تقييم الوقائع ،وفق مفاهيم ومصطلحات غير مضبوطة , وغير متوافق على مراميها , وكذلك تقييم مصطلحات وفق غير مفهوم أصحابها ،واسقاطها على تأطير آخر، أو تأطير خارج سياقه التاريخي , إضافة إلا أن تلك المصطلحات في تلك الفترة، التي أوردتها الدراسة، وأشار إليها المعلّقون ،كانت من المعلوم بالضرورة، معانيها ومراميها وسياقاتها للجميع في ذلك الوقت .
ب- ان التطبيق العملي للحركة الإسلامية ،هو الدليل العملي لرؤيتها وفكرها ونظرتها،ولا قيمة لكل التحليل والتنظير مام الممارسة ،والتطبيق العملي الشاهد الحيّ على ما تتبنّاه الحركة وتؤمن به،وقد شاهدنا أطرافا كثيرة ،تتغنىّ بالوطنية والمواطنة ،وتتستّر بذلك على فسادها وإفسادها ،أما الجماعة فقد برهنت رؤيتها عملا ،لو تم جمعه في جميع المجالات السياسية والإجتماعية والخيرية والتربوية والقيمية ، لوجدنا منجزات تفوق أداء وزارات ،بل وحكومات،وإذا أردت أن ترى مفهوم المواطنة والوطن عند الحركة ،أنظر لمراكز الأيتام والقرآن والصحة في كل بقعة من بقاع الوطن النائية والبعيدة، وفي كل شبر من الصحاري والبوادي والبلدات والمدن .
مع الأخذ بعين الاعتبار ،بأن هذه المقارنة، لا تعني بحال من الأحوال ،إلا الوصف المرتبط بحجم المنجزات ،لا المنافسة أو الصراع أو الخروج عن مفهوم الدولة الشامل.
ج- إن الجهة الوحيدة في الأردن، التي تجمع النسيج المجتمعي كله بلا استثناء، بمشهد فسيفسائي مترابط، وجميل ومتين هي الحركة الاسلامية، وكل محاولات إقحام البعد الجغرافي أو الهويّاتي، داخل صفوفها بالفشل، وكل محاولات شقّها، على هذه الأسس،فشلت فشلا ذريعا، والأعداد المستجيبة لتلك المحاولات الخاصة بهذا الأساس، بغض النظر عن شخوصهم، دليل قاطع على ذلك .
د- محاولة الفصل بين المشاريع الوطنية في المنطقة، على أسس سايكس بيكو ،مخالفة للدين والمنطق ،وكل السياقات التاريخية والجغرافية والمنطقية والقيميّة .
6- لوحظ في النقاش ،وفي الكتاب تحميل الرؤى على عوامل فكرية، تدعم المخرجات المسبقة للباحث، في ظل اغفال عوامل أخرى كثيرة ،على الشواهد التي تم سوقها مثل الضغط الرسمي .
7- لست هنا في صدد الدفاع عن حركة حماس ، ولا قيادتها ،ولا مجلس شوراها ،ولا أي من التفاصيل التي وردت على لسان الكاتب،ولن أدافع عن الشيخ ياسين رحمه الله تعالى، وطريقة تقليد كلامه،ولكني أقول فقط ،إن اولئك الذين اتهمهم غرايبة بالموظفين،وسائقي التكسي، ومندوبي المبيعات ،الذين يبحثون عن عمل، يكفيهم أنهم الرقم الأصعب اليوم ،ويكفيهم أنهم ملء بصر وسمع العالم ، وأنهم الخطر الأكثر إيلاما للكيان والعدو ،وأنهم محط اهتمام العالم كلّه.
وقد ثارت العديد من الردود والنقاشات على الكلام , كما سمعت الكثير من التأييد بعد اللقاء،وأكتفي بذلك دون الحديث عن هذه التفاصيل، أو ما تم من نقاش على هامش الندوة، ولعلّي أكون قد حققت هدف هذه الوقفات فحسب .
ناشط وباحث سياسي وإعلامي إردني
(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)
زر الذهاب إلى الأعلى