مقالات

المخاض العسير لجماعة الإخوان المصريين

بقلم : قطب العربي

لم تحظ جماعة أو حزب أو كيان أيا كان اسمه؛ بما حظيت به جماعة الإخوان من اهتمام في عسرها ويسرها، والسبب بسيط، فهي الجماعة الأكبر في العالم الإسلامي (تنتشر في 70 دولة)، وظلّت ملء السمع والبصر طيلة العقود الماضية، وتمكّنت من إيصال أول رئيس مدني لمصر،وشغلت أكثرية مقاعد البرلمان بغرفتيه، ناهيك عن إيصال رؤساء حكومات في دول أخرى، حتى وإن لم يعودوا ينتمون للجماعة تنظيميا.
جماعة بهذا الحجم والانتشار، تؤثّر ليس فقط على أعضائها، بل تمتد تأثيراتها الإيجابية أو السلبية على عموم المجتمعات التي تنشط فيها، وبالتالي يصبح من حق هؤلاء الذين يتأثّرون بأدائها أن يدلوا برأيهم في هذا الأداء.لقد كان الكثيرون ينتظرون من الجماعة أداء مميّزا، خلال السنوات الثماني الماضية لمواجهة الانقلاب،الذي لم تقتصر تداعياته على الإخوان،بل تعدّتهم لكل حلفائهم، ولكل من ناصرهم، بل إلى عموم الشعب،لكن هؤلاء شعروا بخيبة أمل كبيرة بسبب الأداء الضعيف.
لا يهتم الناس كثيرا بالسبب في هذا التقصير، وما إذا كان فشلا ذاتيا أم إفشالا، وما إذا كانت البيئة المحلية والإقليمية والدولية تسمح للجماعة بتحقيق إنجازات ملموسة أم لا، وما إذا كان بيد الجماعة عناصر قوة لم تستخدمها..المهم بالنسبة للناس ،هي النتيجة النهائية، خاصة أن القيادة فشلت في توضيح الصعاب التي جابهتها، وانكفأت على نفسها، وراح بعض أفرادها يردّدون مقولة، أن ما يحدث في الجماعة هو شأن داخلي لا علاقة لأحد به!!
تتمتّع الجماعة بكفاءات بالتأكيد، بعضهم يعملون في لجانها المتخصصة،لكن هذه اللجان كانت طيلة الفترة القليلة الماضية أقرب إلى الديكور، بينما ظلّت القرارات الفعليّة بيد مجموعة أخرى، قليلة الأفق، قليلة العدد، تمسك بمفاصل الإدارة والتوجيه والتمويل، وترى نفسها “حراس التنظيم”؛ الذين يفهمون ما لا يفهمه غيرهم، ويسيرون عكس ما تريده قواعدهم.
ومع الوقت،تحوّلت تلك المجموعة إلى تنظيم داخل التنظيم، يدني من يشبهه في طريقة التفكير والتدبير، ويقصي أو يهمّش من يخالف رؤاه، والاتّهامات جاهزة؛ فتارة أن أولئك دعاة عنف، أو أنهم دعاة استسلام ومصالحة (والغريب أن هذين الاتهامين المتناقضين تم توجيههما للقيادة الجديدة المنتخبة، والتي لا تشبه القيادات القديمة)،أو أنهم يستكملون تنفيذ خطة عبد المنعم أبو الفتوح لتدمير الجماعة من داخلها. وقد طال هذا الاتهام رؤوسا كبيرة؛ بينها الدكتور حلمي الجزار، أحد القيادات التاريخية لجيل السبعينات، والذي كان يصفه السادات بـ”أمير الأمراء”، وغيره من كوادر الجماعة وقياداتها.
من الطبيعي ،أن الجماعة وهي تمرّ بفترة مخاض عسير حاليا لإنقاذ ما تبقى منها؛ أن تكون محط اهتمام الكثيرين الذين يرقبون هذه التطورات بكثير من الأمل والقلق. فهذه المعركة تبدو الأخيرة في مشوار الجماعة الذي جاوز التسعين عاما، وهي تبدو الآن في غرفة إنعاش موصولة بأنابيب الأكسجين، وحين تقدّم من يحاول إنقاذها ببعض العلاجات العاجلة،هبّت في وجهه تلك الطائفة الرافضة لأي علاج أو تصحيح. لقد ظلّت تلك المجموعة، ترفض كل وصفات العلاج والتطوير التي قدّمها الخبراء والمختصون من أبنائها الذين كانوا جزءا من أطرها التنظيمية، ومن لجانها الفنية، والذين لم يتوقّفوا لحظة عن دق أجراس الخطر، وهو ما دفع بعضهم لليأس والانسحاب، في حين بقى القليلون يواصلون جهود الإصلاح من الداخل لعلّهم يستطيعون إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ووصل الأمر بتلك المجموعة المنفردة بالقيادة، إلى رفض محاولات عديدة سابقة لنائب المرشد نفسه الأستاذ إبراهيم منير (سواء في محاولات الإصلاح والتطوير أو محاولات لم الشمل)، بل أجبرته على سحب بعض قراراته والتراجع عن بعض محاولاته، وورّطته في بعض القرارات الخاطئة،نتيجة المعلومات الخاطئة التي قدّمتها له، وقد اعترف هو شخصيا بشيء من ذلك في لقائه مع قناة الحوار( مساء الجمعة الماضية).
خطوات الإصلاح التي أعلنها إبراهيم منير، نائب المرشد والقائم بأعماله، والتي لاقت استحسانا كبيرا داخل صفوف الإخوان وحتى خارجهم، تظلّ خطوات محدودة، وتظلّ الجماعة بحاجة لخطوات أكبر للتصحيح والتطوير لإخراجها من حالتها المرضية الحالية، واستعادة عافيتها، والقيام بأدوارها المنوطة بها، والتي ينتظرها أبناؤها وحلفاؤها بل وعموم رافضي الانقلاب والاستبداد؛ ليس في مصر فقط بل في عموم المنطقة، فما تعرّضت له الأحزاب الإسلامية من انتكاسات في دول أخرى،كان محض رجع صدى لما تعرضت له الجماعة في مصر.

ما لم تتح الفرصة كاملة لجهود الإنقاذ، فإن الجماعة لن تكون عصيّة على سنّة الاستبدال، فتلك سنّة كونيّة جرت على جماعات ودول كثيرة عبر التاريخ ،حين انتهت وانتفت مبررات وجودها، لكن الجماعة لا تزال لديها فرصة لاسترداد عافيتها وكفاءتها، إذا نجحت في مراجعة سياساتها، واستعادة شبابها والكفاءات والخبرات التي هجرتها، وإذا نجحت في لمّ شملها، وتحديث خططها، وتفعيل أطرها ولجانها، وتحسين علاقتها بالحلفاء والشركاء السياسيين، وتحسين تواصلها مع المجتمع الدولي مع حفاظها على مبادئها وثوابتها.
تظلّ الخطوات الإصلاحية الأخيرة تحت الاختبار، ويظلّ الكثيرون في حالة ترقّب لما ستسفر عنه معركة التغيير الحالية،ويظلّ المعتقلون والمنفيّون في شوق لاستعادة الجماعة لعافيتها، علّها تستطيع إنقاذهم، ويظلّ كثر غيرهم في توق لعودة الجماعة – بعد تصويب مسارها – إلى موقعها الطبيعي في مواجهة قوى الفساد والاستبداد كما كانت من قبل، وإلا فإن سنن الكون غلاّبة.

*كاتب مصري

(المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي للكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي الموقع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق